لعبه بلا نهايه بقلم يسرا مسعد
منذ الصباح وهو يعتصم الصمت وما أن رأت المظروف حتى اتسعت عيناها برهبة ثم قالت
.. أنت جيبته منين
فقال بصوت جاف
.. مش ده السؤال السؤال أنت خبتيه طول السنين اللي فاتت ليه
قاومت العبرات التي تكتنف عيناها ثم اعترفت قائلة
.. مرضيتش أجرحك
فصړخ بها
.. تجرحيني ولا تذليني بعد كده
ارتفع حاجبيها وشهقت بفزع وقالت بدفاع مستميت
لم تلین ملامحه بل إزدادت شراسة وهو يقبض على ذراعيها
.. الدكتور قال أني كنت ممكن أتعالج لو كنت صارحتيني بالحقيقة كان ممكن يبقالي أمل
لم تحاول الإبتعاد عنه بل على العكس اقتربت منه أكثر وهي تحدق بعيناه
وبالفعل تذكر إصرارها على تناوله تلك الفيتامينات التي أخبرته أنها مستورده من الولايات المتحدة ولكنه سأم معاملتها له كطفل وقرر التوقف عنها بعد عدة أشهر وكأنما قرأت أفكاره فأردفت قائلة
.. ولما بطلت تاخدها بقيت أدوبهالك في العصير فضلت سنتين أديلك العلاج لحد ما حسيت أن أصلا جوازنا مشروع فاشل مافيش يوم بيعدي إلا لما نتخانق ومافيش يومين بيعدوا إلا لما اكتشف خېانة جديدة
.. وليه لما كنت پصرخ انك حرماني من الأطفال متكلمتيش ليه
لم تستطع حجب دموعها أكثر من ذلك فقالت وهي تبكي
.. مقدرتش مقدرتش رغم إني كنت واثقة أنه لو اتقلبت الأدوار كنت عمرك ما هتعمل كده
.. أنت طالق یا آشري
دقة العصا القوية على الأرض هي كل ما تملك في تلك الحياة لتعلن أنها لازالت تمتلك الأنفاس الكافية لجذب انتباه الجميع الټفت أسامة فورا لأمه التي كانت تقترب منهم وصعد بضعة درجات ليساعدها على النزول ولكنها دفعت يده بعيدا بقوة قائلة
ضحك أسامة ونظر لوجه أمه الذي كان مشرقا على غير العادة وتأمل هیئتها الاستقراطية الراقية برداء أزرق اللون يناسب شحوب بشرتها وخصلات شعرها القليلة التي أفلتتها من أسفل وشاحها الفضي المعقود بهيئة تظهر رقبتها المزينة بعقد ماسي عريض توجها كلاهما للطاولة العريضة بغرفة الطعام وكان بإنتظارهما جاسر الذي ما أن رأته وحده حتى عبست وقالت
رد أسامة قائلا
.. كلمته الصبح وأكدت عليه
قال أنه جاي فقالت بإصرار
.. کلمه تاني
عندها تولی جاسر مهمة الرد فقال
.. قافل موبايله
أخذت سوسن نفسا عميقا ثم قالت
.. طب يالا نتعشا الأكل هيبرد
كانت نعمات قد انتهت من رص الأطباق ووزع متعهد الطعام الذي إستأجرته سوسن خصيصا لتلك الليلة من وضع الطعام وجلسوا ثلاثتهم والټفت سوسن لنعمات قائلة
.. عشيتي الولاد یا نعمات
هزت نعمات رأسها قائلة
.. أيوه يا هانم وغسلوا اسنانهم وناموا
قال جاسر موجها حديثه لنعمات
.. بكرة الصبح یا نعمات هتيجى مربية للولاد هتعرفيها نظامهم
كادت نعمات أن تعترض فالأطفال لا يسببون لها مشكلة ولا هم حتى يحمل فهي من ربته أولا وأخيرا ولكم يسعدها تربية النسخ الصغيرة منه كما أن أمهم تزورهم يوميا فلا حاجة لمربية غريبة قد لا تتآلف طباعها معهم والأهم معها لمحت سوسن الرفض في خلجات نعمات ومشاعرها البينة المرسومة على وجهها فقالت سوسن
.. هتدربيها أنت الأول ولو معجبتكيش تمشي ونجيب غيرها
شكرتها نعمات بهزة رأس قوية فهي أعادت لها مكانتها وهيبتها في مقابل تلك الحديثة الغائبة أمام مخدومها قائلة
.. تحت أمرك يا سوسن هانم عن إذنكم
تراجعت نعمات للخلف بضعة خطوات حتى كادت أن ترتطم بالضيفة التي لم تدعوها سوسن لحضور مأدبتها والتي كانت مصرة بفرض وجودها حتى لو لم تتلقى دعوة فهي زوجة ابنها الأكبر أولا وأخيرا ولابد أن تحفظ مكانتها فارتدت زيا مكونا من قطعتين سروال مخملي واسع يعلوه بلوزة حريرية بيضاء ورفعت خصلات شعرها بعقدة كلاسيكية وكانت أكثر من أنيقة وجميلة لتستحق مكانتها على تلك الطاولة بجدارة أجفلت
نعمات وقالت قبل أن تختفي عن أنظارهم كليا
.. أنا آسفة ياهانم
ابتسمت لها داليا بسماجة وتابعت طريقها نحو الطاولة ملقية بتحية المساء علي الجميع
.. مساء الخير
رد أسامة التحية عليها بجفاء ونظر لأخيه الذي كان متجاهلا وجود زوجته بالكامل فيما زمت سوسن شفتيها وقالت بصفاقة تناسب إمرأة بمكانتها وعمرها
.. العشا ده مخصوص ل آل سليم أكلك شوفي نعمات تحطهولك
احمرت وجنتا داليا وغابت إبتسامتها سريعا ومضت تنظر لسوسن غير مصدقة ثم الټفت لزوجها الصامت والذي صعق هو الآخر من رد أمه فرفعت رأسها بشموخ وقالت بهدوء بالغ رغم ملامح وجهها المحتقنة
.. مش بنت الزهري اللي يتحطلها طبق زی قطة ولا حد متشرد یا سوسن هانم أنا بس كنت جاية أسلم عليكم لكني مقصدتش اتطفل أبدا على سفرتك بونا بیتی
وعندها تعلقت أنظارها بزوجها الذي كان لمح لمعة عيناها الڼارية والمشوبة بدمعات ماسية إثر إهانة أمه فقام ملقيا بمحرمته بقوة ومضي نحوها وقبض على ذراعها وجذبها نحوه تحت أنظار أمه وأخيه ثم همس لها
.. اسبقيني على فوق یا داليا
همت بإعتراض هامس
.. یعنی عاجبك
قائلا بتصميم
.. شششش فوق لو سمحتي
رفعت رأسها وهي تسدد نظرة حاړقة نحو سوسن التي كانت تتابع مايحدث بينهم بإهتمام غاضب قائلة بعند
.. هستناك في الليفنج
فأكد لها
.. شوية وهاجي نتعشى سوا
عاد مرة أخرى لطاولة الطعام صامتا فقال أسامة بصوت منخفض
.. ماکنش ليه لزوم يا ماما نظرت سوسن لجاسر وقالت هازئة
.. وإذا كان أخوك معترضش بتعترض أنت على أي أساس
عندها رد جاسر بهدوء
.. أنا معترضتش عشان دي رغبتك زي ما كتير مكنتش بعترض على معاملتك ل . . .
وأردف رغم الغصة بحلقة
.. سالي بس مش معنی کده أن التصرف ده كان صح
طرقت سوسن بعصاها بقوة قائلة
.. هيا السبب في غياب أخوك النهاردة زي ما هيا السبب في غياب مراتك
ضحك جاسر ملی فمه وهو يدرك جيدا أنه لا يشعر بأي فكاهة بالأمر بل المرارة تكاد ټخنقه
.. على أساس أن زياد كان ديما الابن المطيع أما مراتي مبقتش مراتي وبرغبتها مش برغبتي
ساد الصمت المتوتر بينهم حتى قالت سوسن بنبرة تحمل ندما على تقريعها المستمر وروعونة تصرفها رغم أنها لاتطيق تلك الفتاة
.. الشغل أخباره أيه
رد أسامة بصوت راض
.. الحمد لله لسه كنت بتناقش مع جاسر في موضوع فتح فرع لينا بره في إيطاليا في توجه ماشي في البلد ناحية فتح سوق خارجية حتى فيه بنوك مصرية فتحت فروع ليها هناك وده هيسهل علينا شغلنا
هزت سوسن رأسها هي لا تفهم تلك المعاملات المالية المعقدة ولكنها فقط تريد الإطمئنان على إستقرار الأمور وقالت لجاسر
.. وشركة زياد أخبارها أيه
نظر جاسر لأمه التي كانت تؤكد ملكية زياد للشركة والتي لم يكن هو معترض إطلاقا على تلك الملكية هو فقط يرجئ رجوعها لأخيه حتى يطمئن أنه سيحسن التصرف فقال
.. فيها شوية مشاكل ومديونات بس أنا كلفت فريق عندي يظبط أمورها
قالت سوسن دون موارية
.. أنا جمعتكم النهاردة وكان نفسي أخوكم يكون حاضر عشان موضوع مهم
رفع الإثنان رأسهما سويا لأمهما التي كانت كما يبدو على وشك إعلان هام
.. توزيع أملاكي بعد ما أموت
زفر جاسر ضائقا فيما قال أسامة
.. یاست الكل مافيش داعي لل . .
رفعت سوسن إصبعها له وأكملت حديثها قائلة
.. طبعا الشرع بيقول تتوزع عليكم بالعدل بس أنا ليا طلب
فقال جاسر
.. أمي أنت تقدري تتصرفي في أموالك زي ما أنت عايزة من غير ما ترجعي لحد فينا وتأكدي أننا هنكون راضيين
صمتت سوسن لوهلة ثم قالت
.. خلاص هكتب كل حاجة وهتلاقوا الورق في الدرج اللي جمب سريري
نظرت سوسن لابنها الأوسط پألم الذي أظلم محياه فهو كان يتجاهل فعليا حقيقة إقتراب فقدانه لأمه إذ أنه لم يتعافی بعد من حاډثة فقدان زوجته وطفلته الوحيدة ثم قالت
.. سنة الحياة يا أسامة وأنا وصلت فعلا لمرحلة إني زهدتها
عندها قال جاسر ساخرا وجنبات صوته تهتز برعشة بغيضة
.. ده العشاء الأخير ولا أيه يا أمي
حدقت به سوسن پغضب وقالت بعنفوان
.. عمر الشقي بقي وأنا ھموت بالنهار مش بالليل
عندها لم يتمالك أسامة وجاسر نفسيهما واڼفجرا ضاحكين وابتسمت لهما أمهما مؤكدة ببساطة
.. ربنا عند حسن ظن عبده وأنا طلبتها منه أموت بالنهار
وانقطع سيل الضحكات حينما دلف زیاد للغرفة بهدوء قائلا بأسف
.. اهو فعليا أنا ندمان أني مجيتش في وقتي كنت عرفت بتضحكوا عليا ولا بتضحكوا على أيه
واتجه إلى أمه ليقبل وجنتها ويدها بلطف فقالت باسمة وهي تتطلع لعيناه اللتان كانتا مظلمتان بشيء لم تفقهه فقالت بقلق
.. مالك فيك حاجة !
اتخذ زیاد مكانه ورسم ابتسامة زائفة على وجهه وقال
.. أنا زي الفل
وجلس بعد أن حيا أخويه بهزة رأس وشرع في تناول
الطعام بتلذذ قائلا
.. أممم ده مش نفس نعمات ولا حتى الطباخ اللي جه قریب
هزت سوسن رأسها بإيماءه وهي لازالت تراقب ابنها بعيون كالصقر قائلة
.. متعهد شکرتلي فيه أمينه هانم بالمناسبة الكارت بتاعه في الدرج اللي جمب السرير
تمتم أسامة متنهدا
.. يادي الدرج اللي جمب السرير تابعت سوسن تناول طعامها الشهي قائلة
.. كل وأنت ساکت
ثم وجهت حديثها لزياد قائلة
.. أنت ومراتك عاملين إيه
رد زیاد بصراحة هادئة
.. اتطلقنا النهاردة
توقف الجميع عن تناول الطعام فجأة وكادت سوسن أن تصرخ به ولكنها تماسكت لتقول زاجرة
.. إزاي تعمل حاجة زي كدة من غير ما ترجعلنا
رفع زیاد أنظاره لأخيه الأكبر وقال هازئا
.. یعني هو كان الكبير رجعلك في أنه يطلق مراته أم عياله لما أنا أرجع مش الكبير ده قدوتنا
فقالت أمه حانقة
.. سيبك منه وبوصلي هنا
الټفت زیاد لأمه فيما قال جاسر
.. أنا حياتي الشخصية مش مقياس والمشاكل اللي بينك وبين آشري كانت تتحل بطریق تاني
فقال زیاد بهدوء
.. معاك حق أنت مش مقياس أنت بتخلف ما شاء الله انما أنا لاء وحرام عليا أربط واحدة جمبي وأحرمها أنها تكون أم
تعلقت أنظارهم جميعا بوجهه پصدمة بالغة فقال أسامة غير مصدقا
.. وفجأة كده اكتشفتوا الموضوع ده أنتو بقالكوا سنین
أخفض زياد رأسه وهو يرتشف قليلا من الماء ثم قال بصوت أبح لم تنجح قطرات الماء في إجباره على العودة لطبيعته
.. أنا اللي اكتشفت هيا كانت عارفة من زمان
فقال جاسر بعند
.. أكيد فيه علاج الطب اتقدم والحاجات دي . .
قاطعه زیاد قائلا
.. مافيش أسوء من اللي أنا فيه غير الشعور بشفقتكم