لعبه بلا نهايه بقلم يسرا مسعد
دون أن تدري
.. ومين قالك إني عاوزة أرجعله ولا أني هقبل أني أنا اللي أطلبها وليه بحلم ليه على طول معاه أنا اللي بتذل
وتقبلت أمها ثورتها الغاضبة بصدر رحب وقالت بهدوء
.. يبقى بترفضي الجدع ليه
تاهت سالي مجددا في بحور حيرتها حتى قالت
.. أنا مش جاهزة إني اربط نفسي من تاني ولا أخوض تجربة من جديد
أمسكت مجيدة بكف ابنتها وقالت
نظرت لها سالي وهي لا تدرك المغزى من وراء تلك الحكاية التي تعود لأوائل عهد طفولتها فتابعت والدتها بلطف
یعني أنت موافقة يا ماما
تنهدت مجيدة وقالت بحكمة بالغة
.. خلينا واقعيين ياسالي جاسر واتجوز ومراته حامل وأنت عشان تتطلقي سيبتيله بنتك في الأول مكنتش موافقة بس بعد كل اللي حصل أنت اتصرفتي صح وعشان مصلحة الولاد ميبعدوش عن بعض وأنا وهيجيلي يوم وأفارق الحياة وعاوزة اتطمن عليك بدال متعيشي لوحدك
.. بعد الشړ عليك بس الولاد . .
قاطعتها مجيدة
.. بنتك ياسالي سليم ابن جاسر وبكرة الاتنين يكبروا ويفهموا ومن مصلحتهم يعيشوا الاتنين سوا في عز أبوهم ومهما جاسر يعمل ساعة ما هيكبروا هيختاروا الجمب الحنين عليهم مش مرات أبوهم
رت دموع سالي رغما عنها فربتت مجيدة على كفها بحنا ودفنتها في أحضانها
وكأن ما ينقصه تلك الأحرف نظر لها متوعدا وقال
.. أقدر أفهم بتقدمي إستقالتك ليه دلوقتي عملتلك إيه أنت كمان
ابتسمت درية بمرارة وقالت هازئة
.. من ناحية عمايلك فعمايلك يامه لكن المرادي مش أنت السبب
نهرها بإصبعه مهددا
جلست وهي تقول بسخرية تشربتها منه بحكم العشرة
.. أصلي هتجوز عقبال عندك ولو أنها تبقى رابع
مرة لكن مش خسارة في طيبة قلبك
احمرت نواجذه وقال متجاهلا تعليقها لاذعا إياها بسؤال أشد سخرية
.. فجأة كده ومين عريس الغفلة
فرفعت حاجبها وقالت بنبرة تحمل ټهديدا
.. عقيد سابق في الجيش
تراجع للخلف وقال بشبه إبتسامة مريرة
نظرت للأفق خارج نافذته العريضة وقالت
.. کلنا لازم يجي علينا وقت ونتغير يا جاسر زي النخيل اللي بره دي لو مكنتش تتغير وتنحني للريح هتتكسر ومش هتقوملها قومة
خرجت وتركت أنظاره معلقة لجذع النخلة الذي كان يتمايل مع رياح الربيع القوية على غير العادة الناس من حوله تتغير حتى الأقوياء منهم كدرية علي سبيل المثال وليس الحصر تغيرت أيضا ربما كانت القوة في القدرة على التغير والتكيف مع الجديد من الأمور فالتغير في نهاية الأمر ليس بهزيمة نكراء وخذلان عزيمة لربما كان العزيمة ذاتها فالصڤعات التي يتلقاها كبريائه على نحو دائم مؤخرا آلمته وهو يتمسك بكونه لن يتغير أبدا كنوع من الدفاع المضاد ولكن ذاك التمسك الأعمى كلفه الكثير كلفه زوجة مطيعة وبيت هادیء وحياة مستقرة ومؤخرا فقد جنينا لكأنما شعر أنه سيكون معذبا في الأرض كأخوته إن حمل کنیته ورغما عنه يشعر بمرارة خذلان ومسئولية تجاه تلك التي سعت إليه فبالنهاية عقد الزواج كان يحمل توقيع إسمه إلى جوارها نظر للأوراق أمامه وتعلقت نظراته التائهة بطلب درية للإستقالة فحملها بصمت وخرج من غرفته حاملا سترته أيضا وكنوع من التغيير الذي كان ينبذه لم يعلم إلى أين !
لربما كان في الماضي صاحب الخطوة الأولى حتى تولت هي زمام الأمور بحكم العادة ولكنه عاد ليصحح مسار حياتهما معا ويكون هو القائد دون و منازع ترجل من سيارته الحديثة أمام مقر شركتها وصعد حاملا زهور ابتاعها خصيصا لها سار بثقة آل سليم نحو المصعد حتى وصل إلى حيث مكتبها واقتحمه تحت أنظار مديرة أعمالها المنشغلة بمكالمة هاتفية أخرتها عن اللحاق به حتى توقف تماما في منتصف الغرفة تحت أنظار آشري المندهشة وحمرة الخجل تعلو وجنتيها رغما عنها لأول مرة منذ وقت بعيد والسبب ليس فقط معنيا بباقة الزهور الرقيقة التي كان يحملها ولا أيضا بهيئته المٹيرة ببذلته الكلاسيكية دون ربطة عنق ولكن نظرة عيناه الجريئة المعلقة بها وحدها كانت الدافع الأقوى شکرت آشري مديرة أعمالها بصوت أبح وتابعت بأنفاس متلاحقة
.. ویاتری لازمته إيه الورد
فأجاب بصوته الواثق المرح
.. عيد الربيع
ضحكت رغما عنها وقالت بعبس زائف
.. لسه زي ما أنت متغيرتش
اقترب بقوة حتى أصبح على بعد سنتيمترات قليلة وقال بأنفاس ساخنة
.. فيه حاجات إستحالة تتغير فيا يا آشري واعترفي أنها من مميزاتي
هزت رأسها بإذعان لطالما كان بارعا في فنون الغزل والتقرب من المرأة بشكل عام وحمقاء من ترفض غزل رجل جذاب مثله وأكثر حماقة من ترفض باقة زهور مدت يدها وتناولتها منه برفق ووضعتها برقة فوق سطح مكتبها وقالت بعيون لامعة
.. بس مش كفاية يا زياد
اقترب مرة ثانية ولكن منحها مساحة أوسع قائلا برجاء
.. فعلا لأنه حتی ده قليل عليك بس أنت إديني فرصة أعوضك على اللي فات
نظرت له والألم يعود ليقتات من فرحتها
.. مش هستحمل ۏجع تاني یا زیاد
اقترب أكثر وبنبرة أكثر دفئا وحنانا قال
.. إستحالة الۏجع كله من نصيب قلبي وأنا بعيد عنك
شعرت كأنما اختطف دقات من قلبها على حين غرة فهربت بعيناها من محاصرته فقال برجاء مرح
.. ممكن تيجي معايا
رفعت له رأسها بأنفاس متهدجة
.. على فين
ابتسم وهو يقول
.. يعني مجتيش حفلة الإفتتاح قلت أعملك حفلة على الضيق أنا وأنت نتغدی سوا وتشوفي المكان
وكيف بإمكانها الرفض وعيناه تبتسم له وملامح وجهه تنطق بالفخر لكأنما طفل صغير أنجز واجبه على أكمل وجه خاېفة أكون بظلمك رسالة مكونة من ثلاث كلمات لم تحمل وعدا ولا ردا بنعم كما يحلم ولكنها رسمت إبتسامة واسعة على فمه ومضى بأنامل ثابتة يخط عبارته التي تحمل صدق قلبه ومشاعره الظلم بعينه أنك تبعديني عنك ولم تلقي رسالته سوی بمزيدا من الخۏف بداخلها فتنهدت بتعب حتى أتاها رنين الهاتف ليزيد من أرق مضجعها فردت بصوت مرتجف ولم يمنحها حتى فرصة إلقاء التحية عليه وقال
لا أنا جاي بكرة الساعة ثمانية ومعايا الحاج
اعترضت
.. کریم أنت بتستعجل أوي
رد قاطعا شكوكها
.. ما أنت بتهربي يا سالي خلينا نجرب سوا قوليلي إيه اللي هنخسره وبعدين دي مجرد خطوبة هوا أنا بقولك هجيب المأذون وآجي
ظلت صامتة لوقت طويل حتى قالت
.. طب خليها آخر الأسبوع أكون حتى اتكلمت مع الولاد
ابتسم بسعادة وقال بنبرة لا تخلو منها
.. هاتيهم بكرة النادي يا هربانة ونتعرف على بعض يكون أفضل
ابتسمت رغما عنها وقالت
.. ماشي بس متكلمهومش في حاجة
هز رأسه وقال مطمئنا
.. متقلقيش مش عاوزك
تشيلي هم حاجة وأنا جمبك
عاد لمكتبه بعد إنقطاع عن العمل دام أياما متتالية ليس هربا ولكنه كان تائها بالفعل فبعد أن ودعها عاد لمنزله وغرق بألبوم صور وذكريات تقبع به وهاهو معلقا بين ماض وحاضر مشتت حتى نفض عنه الكسل صباح اليوم وتناول فطورا سريعا وهاهو يمارس مهام عمله الروتيني بشيء من الملل يصارع رغبة ساقيه في المضي نحو الطابق الأخير وريثما كان غارقا بدوامته الغير مستقرة دلفت تلك الفتاة التي لايدرك من معالمها سوى شعرها الفقير بشقرته وهي تضع بنعومة فائقة أوراقا مكتبيه تتطلب توقيعه وقالت بصوتها الرفيع وهي تحمل مغلفا أصفر اللون
.. مستر جاسر طلب مني أسلمك الظرف ده بالذات يدا بيد
تناوله منها عابسا وقال
.. هوا مجاش النهاردة
هزت رأسها نافية
.. لاء
ومضت مرة أخرى نحو الخارج حتى توقفت لتقول بمكر
.. ولا الأستاذة درية
رفع لها عيناه بحيرة ولكن الورقة التي كانت بداخل المظروف تحمل تفسيرا منطقيا مما جعل الڠضب يشتعل برأسه فكيف يقبل جاسر بإستقالتها دون الرجوع إليه ومالذي حدث ليدفعها لترك العمل قام وحمل سترته واتجه للباب وكاد أن يصطدم بجسد أخيه الضخم فهتف به حانقا
.. هوا أنا آخر من يعلم في الشركة دي ولا إيه
فابتسم له جاسر بسماجة وقال ليزيد من غيظه
.. طبيعي هوا أنت بتيجي
زعق به غير مباليا
.. وحتى لو مجتش في أمور المفروض ترجعلي فيها
رفع جاسر حاجبيه بتهكم وقال ساخرا
.. المفروض إني أرجعلك بخصوص سكرتيرة مكتبي جديدة دي ما تيجي تنقيلي ألبس إيه بالمرة
أغلق أسامة الباب وقال بحدة وهو يرخي ربطة عنقه بضيق قائلا
.. جاسر أنا مش ناقصك درية استقالت ليه
ظل جاسر صامتا يراقب أخيه الذي يغلي ويزيد من فرط انفعاله حتى جلس بهدوء ودون أن يرفع أنظاره إليه قال ببرود
.. أصلها هتتجوز
هتف أسامة بحنق مخټنق
.. نعم
ضاقت عينا جاسر وهو يتابع ثورة أخيه
.. عقيد متقاعد في الجيش
هتف أسامة بغيظ
.. برضه البأف ده إياه
تبسم جاسر رغما عنه وقال
.. مشفتوش الصراحة لكن ده طالما رأيك فيه يبقى أكيد راجل محترم
نظر له أسامة بعيون محترقة
.. نعم يا أخويا أنت معايا ولا معاه
ضحك جاسر رغما عنه وقال وهو يدعي البراءة
.. معاك طبعا بس على مين
توترت أوصال أخيه ومضى يذرع الغرفة بأنفاس متقطعة وقال ضائقا
.. عامل فيه حكیم روحاني حضرتك يا شيخ أتنيل قال حالك أحسن من حالي
هز جاسر رأسه مذعنا وقال معترفا
.. في دي معاك حق
وقام لينصرف وقبل أن يختفي من طريق أخيه ألقي قنبلته الثانية
.. داليا أجهضت واتطلقنا
تاركا إياه يحدق في إثره متعجبا متأملا في تدابير القدر شباكا تنسج من حولنا لا ندري أتحركنا أن نحن من نقودها ونصنع المزيد منها وهل الحرية سبیلنا خارجها أم بداخلها
في الوقت الذي تبدأ فيه بإستعادة أنفاسك وتعديل مسار حياتك في مضمار جدید تظن أنه قد يحمل لحياتك السلام أخيرا تفاجئك الحياة بأنه قد فات الآوان.
اصطدمت عربة التسوق خاصتها بأخرى لم تنتبه لها إذ كانت منشغلة بتفحص مكونات علبة حبوب للإفطار طلبها أيهم خصيصا وغمغمت وهي تلقي نظرة سريعة لصاحب العربة المقابلة بكلمة إعتذار ماكانت سوى ثوان حتی تلاشت حروفها وحلت محلها نظرة دهشة متوترة قابلتها عيون شديدة السواد بڠضبها فهتفت بتعجب
.. أسامة !
ثم مالبثت أن استعادت رباطة جأشها وهي تسترجع مشهد العناق الحميم خاصته وقطبت جبينها وقالت بضيق
.. أنت بتعمل إيه هنا
اندفع نحو الرف وألقي بعربته بعضا من المنتجات دون اكتراث قائلا
.. إيه بشتري حاجات أنا كمان ولا السوبر ماركت معمول مخصوص عشان طلبات سعادتك
انزوت شفتيها بإبتسامة ساخرة مريرة وقالت
.. لاء طبعا اتفضل عن إذنك
حرکت عربتها لتبتعد عن طريقه