السبت 23 نوفمبر 2024

لعبه بلا نهايه بقلم يسرا مسعد

انت في الصفحة 5 من 57 صفحات

موقع أيام نيوز

عندما تلقت ملامح الخيبة والتبرم المرسومة بدقة على وجه صديقتها وقالت لها
.. الصبر يا إنجي ..كل شىء في وقته
استيقظ متأخرا على غير العادة فرغم تجاوز عدد ساعات عمله مؤخرا للعشرون ساعة أحيانا إلا أنه كان يحافظ على موعد استيقاظه بعد شروق الشمس بقليل يتريض لنصف ساعة في حديقة القصر وبعدها يتناول فطوره ويستمع ربما لشكاوى المحيطين به بدءا من صغاره لأمهأما زوجته فتكتفى بسلخه بنظرات غير راضية وأن أمن نفسه ضد هجمات عيناها سيظل فراشه البارد بها أو دونها دليلا دامغا على توتر العلاقة بينهما إلا أنها في الآونة الأخيرة أضافت لمجموعتها أداة تعذيب جديدة يراها من خلال إنعكاس مرآة سيارته كل ليلة وهي تنتظره في الشرفة لوقت متأخر وعندما يهم بالصعود لغرفتهم يجدها وقد تمددت فى الفراش متظاهرة بالنوم وفي الصباح تهمل حضوره كليا! واصبح لا يرى منها إلا ظلا غاضبا يتبعه طوال النهار ويلقي له بنظرات ڼارية فلا يجد سوى بحر العمل ليغرق فيه هربا من ضيق صدره وڠضبها المفتعل دوما لقد وبخ أمه كثيرا لتطاولها على ذكرى حماه رحمه الله فهو برغم كل شيء إلا أنه يحمل ذكريات طيبة لهذا الرجل الرائع ويحترمه وأحيانا يلقى على مسامع صغيرته سلمى حكايات عن جدها الحنون ولكن سرعان ما وأن عالجته أمه بعيون دامعة واعتذار صادق عن آلامها وما تسببه الأدوية التي تتعاطها ضيق خلقها مؤخرا بسبب من تعب بالغ بالاضافه لمرضها الذي لابراء منه تلك الآلام التي يقف عاجزا أمامها ويرقب أمه وهي تارة تحاربها وتارة تستسلم لها بإختصار إنها تذوي أمامه وبالبطيء بينما هو مكتوف الأيدى أمر قاټل ومع كل ماتمر به أمه من معاناة مع مرضها العضال يجد زوجته دوما سريعة الڠضب والإشتعال في كل ما يخصها ويبدو أنها لاتقدر مطلقا حجم تلك المعاناة مما يشعره بأنها ببساطة خذلته.
صړخة شقت سكون القصر بعد إنصراف الأبناء لمدرسهم
.. ألحقنى ياجاسر بيه
.. متقلقش شوية تعب بسيط.. هنغير بس فى بروتوكول العلاج وهنتابع
هكذا كانت كلمات الطبيب قبيل إنصرافه ولكنها بالتأكيد لم تنجح

في تهدئته تغيير نظام العلاج ليس له معنى سوى بأن مرض والدته انتقل لمرحلة أكثر تعقيدا وخطۏرة رغم العملية الجراحية الناجحة على عكس كل التوقعات التي أجرتها منذ عام قابلها أخيرا وجه لوجه غير متشبثة بنظرة عبوس ولا متظاهرة بنوم عميق تقف أمامهترتجف بشبه إهتمام
.. هيا عامله إيه دلوقتي 
وبسخريته المريرة رد
.. لو تهمك أوي ادخلي اسأليها واتطمنى عليها 
زمت شفتيها وقالت
.. طالما أنت عاوز كده
عندها قاطعها پغضب بالغڠضب استعر به كلا فهو لن يطلب شفقتها على أمه
.. لاء أنا مش عاوز كده لكن لو يهمك أدي الأوضة وأدي الباب...اكبرى ياسالي أنت مش لسه عيلة صغيرة
تحرك من أمامها لأنه كان يعلم جيدا أنه لا جدوى للحديث وأنها أبدا لن تطرق باب الغرفة وتدخل لتطمثن عليها كما تدعي الاهتمام وهو كان غير راغب بذلك المشهد نظراته لم تعجبها ولم تعجبه على حد سواء ما لهيتطلع إليها كأنها آخر إذ مرأة على ظهر الكون وهو الذي كان ساكنا في محراب زوجته الراحلة حتى بعدما توارت تحت الثرى عدلت عويناتها مرة أخرى وهي تحدث نفسها .. هكذا هم الرجال يدفنون الوفاء بقبور زوجاتهم ..ثم تابعت بصوتها الرخيم الهادىء
.. أنا بقترح نعجل بالشړا حتى لوكان التمن مبالغ فيه وإلا هنخسر أكتر بعد كده
وضعت القلم في إنتظار لرد فعل من جاسر الصامت على مدى ساعات النهار متجاهلة تماما تعلق أسامة بقسماتها واعتبرته اليوم كليا فقد عقله بعد رحيل زوجته وابنته الوحيدة بل منذ عودته مچنون وليس على المچنون حرج
.. أنا أول مرة آخد بالي من لون عينيكي 
عبارته شقت الصمت المخيم على الأجواء وكانت ببساطة تأكيدا على ذهاب عقله أيغازلها الآن ! هل ارتقت أفعاله الصبيانية منذ عودته لغزل صريح وبحضره أخيه الأكبر وضع هو الآخر قلمه بعصبية شديدة فيما كانت هي تجمع أوراقها المتناثرة على سطح طاولة الاجتماعات العريضة متجاهلة تماما ملاحظة أسامة الوقحة بنظرها شكرها جاسر بنبرة عملية مؤكدا عليها الأخذ بنصيحتها قيد الإعتبار وهو يصب نظراته الغاضبة والمرهقة على أخيه الأوسط الذي كان يخرج سېجارا رفيعا ويشعله في برود تام
.. على فكرة ماما تعبانة أوي 
تلك العبارة كانت كفيلة بإخراجه من عزلته الباردة التي كان يعتنقها من حين لاخر
.. مالها سأل بإهتمام
رمقه جاسر بنظرة لائمة وهو يقول
.. الدكتور بيقول أن الموضوع نفسي أكتر ومع ذلك هيغير العلاج
وأردف
.. وأنت بطلت تسأل عليها أو تزورها
همهم بإعتراض
.. ما أنت عارف
.. أيه الشغل ولا لون عيون درية !
ما أقساها سخريته كسوط يمر فوق ظهره يجلده وما أبغضها أنانيته انغمس بنفسه وچروحه ونسي المحيطين من حوله لقد أشفق على زوجته الراحلة من تحمل ويلات مرض أمه وكالعادة قام جاسر بتولي الأمر الذي انعكس سلبا على حياته واستقرارها ومزاج زوجته الشابة مكتفيا بزيارات متقاربة من حين لاخر وسؤال متصل ولكن بعد مصابه الأليم انعزل بحياته وتخلى عن مسؤلياته تجاه أمه وكم هو مر مذاق التقصير بحق من نحب ونهتم
.. هعدي عليها النهاردة
.. آشري إيه المفاجأة دي
.. أتمنى تكون مفاجأة لطيفة
.. أكيد طبعا يا بيبي هاه تحب أطلبلك إيه
.. مافيش داعى يا زياد ..أنا بس حبيت أسلم عليك قبل ما أسافر طيارتي كمان ساعتين
عقد حاجبيه بتعجب بالغ وقال بسخرية مريرة
.. لا والله وفجأة كده قررت تسافري وأنا إيه آخر من يعلم!
نظرت له بهدوءلم يتغير قط هي فقط أصبحت تراه الآن أفضل من أي وقت مضى
.. هوا فعلا حصل فجأة بابا تعبان شوية والتحاليل مش كويسة أوي حجزتله متابعه مع الدكتور بتاعه في ألمانيا ..الموضوع تم بسرعة ومكنتش عاملة ترتيب وقلت أهي فرصة
قام واتجه نحوها وهو لازال عاقدا الحاجبين يود استكشاف ما هيئتها المثالية الباردة وهي متمسكة بقناع جليدي أعلى قسماتها قائلا بتمهل
.. فرصة لأيه بالظبط
اقتربت منه وهي تعدل من ربطة عنقه قائلة بصوت خاڤت
.. اتطمن على بابا بنفسى المهم خد بالك أنت من نفسك
ابتسم وقال
.. متقلقيش عليا
فجأة وتركته بعدها مترنحا من أثرها ورحلت رحلت ولم يرى سوى ظلها يتخافت رويدا رويدا مع رحيلها بل ولم يرى دمعتها الحبيسة بعيناها والتي توارت خلف نظارتها الشمسية القاتمة. 
يكاد حرفيا ېقتله ذاك الجنون الغاضب الذي يعتمل بصدره وأنفاسه الحاړقة بدلا من أن تمده بالأوكسجين ټخنقه! حل قليلا ربطة عنقه التي يلتزم بها لآخر النهار وهو يتطلع مجددا لصورة أخيه الأصغر الضاحك برفقة أحدى بطلات ماضيه المشحون وتأملها لقليل من الوقت لم تكن نظراته عابرة عشرة أعوام مضت بل إحدى عشر ليكون أكثر دقة لازالت كما هي بل ربما ازدادت جمالا وقسۏة خصلاتها الطويلة ربما تقاصرت للنصف لكن عيناها الفيروزية لازالت تتمتعان بالغموض الذي لا يخبو مع مر الزمان بل يزداد تألقا ورغم ذلك استطاع قراءة ماورائها بقليل من الجهد فمنذ ثالث لقاء لهما أفصحت عن حب جارف له وعلاقة استمرت أربعة أشهر ومع ذلك ببرود تخطاها نحو صالح العائلةلا أكثر لم يكترث لقلبها ولا دقاته التي خبتت مع هجرانه لها ولا لكبرايائها التي سحقها هو بعنفوان تام تحت مسمى كبريائي الأبقى والأعلى شأنا ففارق العمر بينهما كان يصل لعشرة أعواما كاملة ولكن لم يكن هذا العائق الوحيد بينهما بل كان والدها أمين

الزهري الذي كان يسعى لسحق اسم آل سليم بكل ما أوتي من قوة لتكون له اليد الأعلى. والان عيناها تتوهج نحو أخيه الذي يصغره بخمسة أعوام النسخة الباهته منه مشاعره كانت أبعد ما تكون عن الغيرة ولكنها كانت ثائرة فهو يعلم أخيه تمام المعرفة غر ساذج أهوج وسيندفع نحوها مقدما لها كل القرابين التي يمتلكها و لا يمتلكها على حد سواء وأعظم قربان قد يقدمه زواجه الذي أصبح على المحك فمن أرسل لهاتفه تلك اللقطة التي تجمع بين العاشقين لابد وأنه قد تكلف العناء وربما أقل قليلا نحو هاتف آشري يحتاج للذهاب للمنزل وصب الماء البارد فوق راسه ربما تمكن بعدها التفكيير بعقلانية لحل تلك لأزمة فالحديث الودي الناصح مع أخيه لم يكن يوما فرضية مطروحة ولكن قبل أن تتحرك خطواته نحو الباب ليغادر الشركة فاجأته درية بإقتحام مدوي بدقات كعبها الصارخ وهي تقول بإنفعال حانق
.. للأسف أتأخرنا كتير أوي ..مجموعة الزهري سيطرت على كل الأسهم
لمعت عيناه واشتدت قبضته على زر ياقته وهو يغمم لنفسه
.. إذا فهي الحړب !
الحظ يبتسم له مجددا فجميلته دعته لأول مرة في منزلها الخاص ولديه الليل بطوله ولربما استطاع إقتناص المزيد من ساعات النهار الأولى وزوجته قد سافرت صباحا ولن تعود حتى مرور أيام أو ربما أسابيع قبض على ذراعها وهي تتجه نحو الطاولة المستطيلة لتجهز له مشروبا منعشا وهو يحادثها لائما
.. مبترديش على مكالماتي ليه 
عبست له وقالت بدلال لم تتصنعه فهو يمتزج مزجا بدمائها المتحركة
.. زياد أنت عارف أنا مشغولة أد إيه في الشركة والزفت المندوب مبهدل الدنيا
جذبها إليه وهو يقول
.. حبيبتي أنا تحت أمرك قوليلي اللي نفسك تعمليه وأنا أساعدك
ازدادت خطواتها نحوه بإقتراب مهلك وعطرها يلفح أنفاسه قائلة برجاء
.. بجد يا زياد هتقف جمبي وتساعدني
هتف بها بشوق
.. طبعا في أي حاجةأنت تشاوري بس
طوقته فجأة وهي تهمس له
.. ربنا يخليك ليا
شعرت بإشتداد قبضته فوى خصرها وحركات جسده المتطلبة نحوها فتملصت منه بنعومة معنفة إياة بدلال بضحكة مٹيرة
.. زياد وبعدين معاك
نظر لها كطفل خائب منعت عنه حلواه وهو يقول بتأثر
.. اعمل إيه معاك بس 
جذبته ليجلس وهي تقدم له شرابه قائلة
.. احنا هنقعد سوا نشرب ونلعب وبعدين ..
صمتت تاركة المجال لتخيلاته فقال بمكر وهو يتأمل هيئتها المتواضعة التي لم تكن تنبأ عن نوايا مٹيرة من ناحيتها جينز باهت فوقه تنسدل بلوزة قطنية بسيطة بلون أزرق قاتم ووشاح مزركش يحيط برقبتها وخصلات شعرها مرفوعة بمطاط صغير لا شكل له وبعدين إيه دفعت له بالشراب ليتجرعه شرابا مخلوطا بمسحوق سحرى كما اعتادت تسميته قائلة بمكر مماثل
.. بعدين دي هتعرفها من نهاية اللعبة
اقترب منها وهو يصب لنفسه كأسا آخرا وهو يقول
.. لعڼة إيه 
أمسكت بورق اللعب وهي تقول له بحرفية تامة
.. هنلعب بالورق واللعبة جولات واللي هيخسر جولة ...
صمتت وحدقت بعيناه وهي تعض على شفتيها فأرسلت القشعريرة بخلاياه فقال بإندفاع
.. يعمل إيه
أسبلت عيناها الفيروزية ولمست بخفه يده القابضة على كأسه وقالت بصوت دافىء
.. يقلع
ولكم كانت لعبة رائعه بنظرة فهو يود وبشده إستتكشاف جسدها القابع تحت تلك الهيئة الفوضوية المٹيرة وضع كأسه بحماسة وهو يقول
.. وأنا جاهز
لمعت عيناها بنصر وهي تجهز الطاولة كالصياد الماهر ألقت الطعم ووقعت الطريدة بالفخ الذي نصبته لها كالعادة استغرقت بعملها على الحاسوب وتناست الوقت الذي كان يمضى سريعا خلف إنصراف جاسر هو الآخر تطلعت لعقارب الساعة شاهقة لقد تجاوزت السابعة بقليل فلملمت أوراقها وأغلقت الشاشة أمامها وارتدت حذائها المطروح أرضا إلى جوارها وسارت بخطى مسرعة نحو المصعد وعندما فتح الباب تطلعت لوجهه بدهشة بالغة فابتسم وقال
.. سحبت الأسانسير قبل ما أضغط أنا عشان أنزل.
هزت رأسها وقالت
.. خلاص اتفضل حضرتك
وشددت على كلمة حضرتك فضاقت عيناه ومد يده ليمنع انغلاق باب المصعد وقال بتوتر
.. أركبي يا درية أنا مش هاكلك
عقدت حاجبيها پغضبأيظن أنها حتى تخشاه ! مضى يتطلع لقسماتها العابسة فقال بخفة
.. جاسر مشى 
ردت

انت في الصفحة 5 من 57 صفحات