الثلاثاء 03 ديسمبر 2024

متاهه مشاعر بقلم نهى طلبه

انت في الصفحة 1 من 39 صفحات

موقع أيام نيوز

الفصل الاول
في تلك الليلة الصيفية الحارة تلألأت حديقة فيلا آل غيث بالأضواء الساطعة وكأنها تنافس سماء يوليو المغطاة بآلاف النجوم.. حيث تعالت ضحكات الحضور.. واختلطت الهمهمات المختلفة.. من افتتن بألوان باقات الورود المنتشرة في كل مكان داخل وخارج الفيلا والتي تم استيرادها من هولندا خصيصا لتلك الليلة الموعودة.. ومن شغل نفسه بتفحص أنواع الأطعمة التي وصلت توا من أشهر مطاعم باريس وروما... وبالطبع تنافست سيدات الحفل في ارتداء أحدث صيحات الأزياء وأغلى وأندر أنواع المجوهرات.. فكن كإعلان حي عن مدى ثراء أزواجهن بل كانت الليلة بأكملها تصرخ بمدى الرفاهية التي يعيشها رواد الحفل..

الټفت الجميع بانتباه عندما ظهرت نجمة الحفل.. فاتنة حمراء الشعر تتباهى بجمالها الفتان بثوب ڼاري اللون لا يضاهي جرأة لونه سوى تصميمه الذي أظهر بالتصاقه بجسدها منحنياته المٹيرة كما خطفت ساقيها المرمرتين عيون الرجال من تحت تنورته القصيرة جدا.. هذا بدون الكلام عن فتحتي الصدر والظهر اللتان أظهرتا بشړة وردية غاية في النعومة وتكاد تغطي بلمعتها على تلألأ حبات الألماس المنتشرة على صدر الفستان.. وكانت تلك الحبات ما لفتت نظر سيدات الحفل فاختلطت أصواتهن وشهقاتهن لتأكدهن أن ما يزين الثوب هو حبات من الألماس الحر المطعم أحيانا بحبات لؤلؤية صغيرة..
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتي نيرة المطليتين بالحمرة القانية وهي ترى تأثير ظهورها على الحضور.. فتهادت بخيلاء تستمتع بشهقات النساء ونظرات الرجال التي تلتهم جسدها التهاما.. تعشق الشعور بالتمييز والانفراد.. وهذا ما حققته الليلة بارتدائها ذلك الثوب لتحتفل بخطبتها.. اختيار لم تكن تجرأ عليه إلا.. هي.. نيرة غيث..
استمرت في خطواتها المتراقصة والابتسامة معلقة على شفتيها تعبر عن سعادتها الغامرة سعادة تنبع من تحقيقها لأغلى أحلامها الليلة بعد أن تمت خطبتها على حسن.. حسن حلم طفولتها وصباها.. تحبه بل تعشقه بكل سنواتها العشرون.. وأخيرا الليلة وضع خاتمه في إصبعها.. أخيرا أصبح خطيبا لها.. ملكا لها وحدها..
وصلت بخطواتها إلى حسن الذي كان يقف شاردا وكأنه في عالم منفصل تماما عمن حوله.. وقفت تتأمله للحظات بطوله المهيب الذي يقارب السبعة أقدام ومنكبيه العريضين وشعره الأسود الحالك والذي قصه ليكون قصيرا جدا.. فأظهر معالم وجهه التي تنبأ عن رجولة وعنفوان يبرزها عيناه شديدتا الخضرة واللتان كانتا تنظران إليها في برود شديد لم تهتم هي ببروده وهي تقترب منه وتضع يدها على كتفه ببطء
حسن.. حبيبي يلا علشان نرقص أول رقصة..
أجابها بهدوء وهو لم يتخل عن بروده
اتفضلي..
ألقت بنفسها بين ذراعيه بلهفة ليفتتحا الرقص معا.. ابتعد عنها قليلا جاعلا بينهما مسافة مناسبة بينما هي ضمت جسدها إليه أكثر وهي ترفع وجهها الفاتن إليه وتسأله بشغف
حسن.. أنت مش ناوي تبوسني ولا إيه!!..
أجاب بدهشة
إيه.. أنت بتقولي إيه.. أبوسك إزاي يعني!.. وليه!!
أيوة عادي وفيها إيه.. كل خطيب بيبوس خطيبته في ليلة خطوبتهم.. ده أنت حتى ما بوستنيش وأنت بتلبسني الدبلة!!..
هو أنت كمان كنت عايزاني أبوسك قدام والدك!!
أهدته نظرة ماكرة
بس هو مش موجود دلوقت.
رمقها بذهول للحظات ثم طبع قبلة باردة على جبهتها وابتعد بسرعة
كويس كده.. مبسوطة!
ظهرت معالم خيبة الأمل على وجهها وهي تسأله بعتاب
أنت ليه بتعاملني بالطريقة دي
زفر بضيق
نيرة.. أنا آسف بس أنت عارفة الظروف.. وإزاي تمت خطوبتنا.. أنا محتاج شوية وقت.
ظهرت معالم ڠضب عاصف في عينيها أخفتها سريعا.. ورسمت على وجهها ابتسامة ناعمة
خلاص يا حبيبي.. بس ممكن تحاول تغير من تعبيرات الاشمئزاز دي من على وشك.. الناس بدأت تاخد بالها..
هز رأسه وهو يكمل الرقص معها في صمت قطعه انتهاء الموسيقى وحضور صديقاتها اللاتي التففن حولها بصخب فانتهز هو الفرصة ليتحرك مبتعدا إلى ركن منعزل بالحديقة... حيث أخرج هاتفه بسرعة واتصل بالرقم الذي يحفظه عن ظهر قلب.. انتظر قليلا ولكنه لم يتلق أي إجابة.. اتصل مرة ثانية وثالثة ورابعة.. وأخيرا فتح الخط على الطرف الآخر ولكن لم يكن هناك رد.. فقط أنفاس مضطربة وتنهدات مسموعة.. تبعتها شهقات مخټنقة مميزة لأصوات البكاء..
همس پألم
منى!!
مرة ثانية لا رد فقط صوت بكاء مكتوم..
عاد يهمس بحزن
منى.. الله يخليك كفاية بكى وردي عليا..
أخيرا أجابته بصوت مخڼوق
مبروك.
سألها بلوم
مبروك!!.. بتباركي لي يا منى!!..
حسن..
قاطعها
بتباركي لي على ايه!!.. على حفلة الخطوبة اللي نفسي اختفي منها فورا.. ولا على العروسة اللي مش فاكر ولا عارف أقول لها كلمتين على بعض.. تخيلي إني حتى مش فاكر ملامحها... رغم إني أعرفها طول حياتي.. كل اللي متأكد منه إنها مش حبيبتي.. مش أنت يا منى..
ازداد بكائها
حسن.. أنت بتوجعني.. أرجوك.. كفاية..
أخبرها بتوسل
قوليها.. قولي نعم وأنا هكون قدامك حالا.
خرج صوتها بصعوبة من وسط شهقاتها
ما أقدرش يا حسن.. ما أقدرش.. مش ممكن أشجعك أنك تعصى والدك.. واستحالة أوافق أننا نتجوز من غير علم أهالينا.. أنت ما ترضاش لي بكده..
زفر بحنق
طيب إيه الحل.. إني أكمل في الجوازة دي.. أبعد عنك وأقتل قلبي وقلبك.. ندفن مشاعرنا جوانا.. وأكمل حياتي مع إنسانة بعتبرها زي أختي.. وكل ده ليه!!.. عشان الشراكة بين أبويا وأبوها!.. عشان عشرة العمر زي ما أبويا بيقول!!!..
حسن.. أنت عارف إن نيرة بتحبك.. كل اللي حوالينا عارفين كده..
ثم تهدج صوتها
حاول.. ووهتلاقي قلبك بيميل لها و..
قاطعها بقسۏة
أحاول!!.. أحاول إيه بالظبط.. كان ممكن أقدر أعمل كده.. بس أنت ناسية حاجة مهمة.. إن القلب ده اتملى فعلا بالحب.. الحب ليكي يا منى.. وأنت دلوقت جاية تطلبي مني أمحي الحب ده.. لا.. وكمان أقتل قلبي.. لأن قلبي من غير حبك مېت يا منى.. مېت..
عاد بكائها يرتفع وهي تهمس
ح..س..ن..
وجعه الألم في صوتها.. اخترق قلبه ومزقه تمزيقا.. يحبها بل يعشقها.. هي الحلم الذي جاهد لتحقيقه منذ سنوات.. منذ رآها طفلة صغيرة في العاشرة وهو كان فقط في الرابعة عشر.. وقرر.. تلك الصبية ذات الضفائر السوداء الطويلة ستكون لي..
ومر الوقت وكبرت الصبية ونضجت.. وازدادت بهاء وحسنا ورقة.. العيون السوداء الكحيلة سړقت قلبه.. الجدائل صففت لتظهر خصلات سوداء ناعمة تحتضن وجه غاية في البراءة والنقاء مما سلب لبه.. أرادها كزوجة.. وظن أنه يمكنه تحقيق ذلك.. كانت تلك سذاجة منه.. يستطيع الاعتراف بذلك الآن.. فهو آن ذاك كان فقط شابا يافعا في العشرين.. ظن أنه عندما يذهب لوالده ليخبره بأنه وقع في الحب ويريد الزواج من فتاته فإن والده سيبارك ذلك الحب على الفور...
كم كان أحمقا.. فكيف يقتنع والده السيد حاتم العدوي رجل الأعمال ذو الاسم الرنان بتزويج ابنه الأكبر من ابنة سائقه!!.. نعم فذات العيون الكحيلة لم تكن سوى منى.. ابنة السائق..
منى.. أنت بتاعتي.. هتكوني ليا أنا.. من نصيبي.. هاقنع والدي.. مهما طال الوقت.. هاقنعه
ذلك ما أخبرها به منذ أربع سنوات.. تخرج خلالهم من كلية الهندسة واتخذ موقعه في شركة العدوي غيث.. للمقاولات والإنشاءات.. وطوال تلك السنوات لم ينجح في اقناع والده بالزواج من منى.. وطوال تلك السنوات لم يكف والده عن محاولات إقناعه بالزواج من نيرة.. نيرة غيث.. ابنة شريكه
وصديقه الحميم.. عامر غيث..
نيرة التي لم تكف طوال الفترة الماضية عن إظهار غرامها به واهتمامها المفرط بكل تصرفاته لن يبالغ لو قال مطاردتها له.. أي رجل آخر كان ليشعر بالغرور من ذلك الاهتمام الواضح.. فنيرة فاتنة بكل معنى الكلمة.. ټخطف عين أي رجل ولكن عيونه هو كانت متعلقة فقط بحبيبته التي لم ير من النساء غيرها.. والتي توسلها لتقبل الزواج به... ويتركا الزمان ليقنع والده
بصحة اختياره ولكنها رفضت وما زالت ترفض بعناد أن يتزوجا بدون موافقة والده..
وما يثير السخرية أنها تعتقد الآن أنه يعاقبها لرفضها ذاك بعقد خطبته على نيرة.. لكنها لا تعلم أنه يحاول حمايتها هي وأبيها..
أبوها الذي هدد والده صراحة بطرده من العمل بل ولمح لما هو أكثر من ذلك إذا لم يمتثل حسن ويوافق على إعلان خطبته من نيرة..
وها هو الليلة ألبس نيرة خاتم الخطبة.. خاضعا لوالده حتى يحمي حبيبته وعائلتها من بطش والده الذي لم يكن يمزح بتهديده..
حسن..
عاد صوتها الحزين ليخرجه من أفكاره.. فأغمض عينيه پألم
منى.. أرجوك بلاش عناد و...
قطع كلامه صوت نيرة الذي تعالى وهي تبحث عنه..
حسن.. أنت فين
تحرك بخفة حتى لا تلحظ أنه انعزل عن الحفل كي ينفرد بهاتفه ولكنها كانت لمحته وأدركت بسرعة لماذا اختفى فجأة من أمامها.. همست من بين أسنانها
أكيد بيتكلم مع الصعلوكة بتاعته.. حتى مش قادر يستنى لما يروح بيته.. بيكلمها وسط حفلة خطوبتي.. الملعۏنة.. همحيها من على وش الدنيا عشان أكون الوحيدة في قلبه
رققت من صوتها وهي تضع به كل ما تملكه غنج ودلال
حسن.. حبيبي..
دوى صوتها المغناج في أذني حسن وسمعته منى على الجهة الأخرى من الهاتف فشهقت بقوة وأغلقت الخط..
زفر بحسن بضيق والتفتت ليتحرك نحو نيرة بهدوء مصطنع ولكن أعماقه كانت تموج بالڠضب.. ڠضب على الجميع.. على والده لإجباره على تلك الخطبة.. وعلى قيود مجتمعه التي تحرمه ممن عشقها قلبه وعلى منى نفسها التي ترفض التمرد معه على تلك القيود على النيرة التي وافقت على الخطبة رغم علمها بأن قلبه ملكا لغيرها وأخيرا على نفسه لضعفه واستسلامه للجميع..
لذا وبكل الڠضب الذي يموج بأعماقه صاح بها
أنا هنا يا نيرة.. في إيه...
فوجئت بهجومه الحاد فهو منذ أعلن موافقته على الخطبة وهو يلتزم صمت هادئ.. أحيانا تظنه شاردا عن الواقع ومنعزلا عنهم جميعا ولكنه أبدا لم يكن غاضبا إلا الآن.. أعادت غضبه ذاك إلى محادثته الهاتفية وتوعدت منى مرة أخرى وأقسمت أن تدفعها الثمن ولكنها بمهارة أخفت ما يجول في ذهنها ورسمت ابتسامة حزينة على شفتيها وهي تسأله بعتاب
طيب بتعلي صوتك ليه.. أنا بدور عليك من مدة الناس بتسألني عنك ومش عارفة أقول لهم إيه!
شعر حسن بالذنب فور رؤيته الحزن الذي أجادت رسمه على ملامحها فاقترب منها بهدوء وهمس لها معتذرا
يظهر إن اعتذاراتي كتير الليلة.. آسف مرة تانية يا نيرة.. بس مش بتحمل جو الحفلات والدوشة دي..
تعرفت نيرة على ملامح الذنب المرتسمة على وجهه وقررت استغلالها على الفور فقزت لتمسك بذراعه وتلصق نفسها به وتسأله بصوت متهدج
طيب إيه رأيك نسيب الحفله والدوشة دي ونروح على أي حتة هادية
هز رأسه موافقا فقد كان يريد الابتعاد عن الجميع وعنها أيضا... إلا أنه لم يتمكن من الهروب من إلحاحها وهي تردد
يالا بينا.. أنا أعرف حتة مطعم.. تحفة..
تحرك معها وهو يتعجب بداخله من انقياده لها فهو في العادة لا يكون بذلك الخضوع تساءل بسخرية في نفسه أيهما سيقود تلك العلاقة!!.. فهي تتحكم ومنذ البداية في كل شيء.. لما لا يعترض ويفرض رأيه وشخصيته كرجل.. لا يدري.. لقد سلب منه كل اختيار.. ومهما تعالى صوته وتعددت أسبابه ليتمسك برأيه يجد من

انت في الصفحة 1 من 39 صفحات