الخميس 12 ديسمبر 2024

متاهه مشاعر بقلم نهى طلبه

انت في الصفحة 2 من 39 صفحات

موقع أيام نيوز

يقمعه ويحبطه.. لقد سأم.. سأم من كل شيء..
كان يتمنى الهروب من ذلك الحفل بكل ما فيه ومن فيه.. وحده.. وليس برفقة أول من يريد الهروب منهم.. خطيبته الفاتنة..
اعترضت طريقهما صبية صغيرة بعيون رمادية متلألئة وخصلات كستنائية تمردت على تصفيفة الشعر الأنيقة التي صففت بها فتشعثت خصلاتها ومنحتها مظهرا طفوليا محببا فبدت أصغر من سنواتها الأربعة عشر
نيرة.. هتروحي فين وتسيبي حفلة خطوبتك
أجابتها نيرة ببرود
صبا.. ما تدخليش في اللي مالكيش فيه.
تذمرت الفتاة
بابا هيتضايق قوي.. ما يصحش تسيبي الحفلة من غير ما تبلغيه..
ثم التفتت نحو حسن
حسن.. قولها أنت.. خروجكم بالطريقة دي ما يصحش.
تنحنح حسن بإحراج وكأن كلام الفتاة الصغيرة لفت انتباهه إلى خطأ ما كان ينتوي فعله فأجابها بهدوء
ما تقلقيش يا صبا.. طبعا أنا كنت هستأذن عمي قبل ما نخرج.
قاطعته نيرة بنزق
إيه!!.. هو احنا لسه أطفال هنستنى الإذن!.. أنت ناوي تسمع كلام البنت المفعوصة دي ولا أيه...
همس لها بصوت منخفض
أختك عندها حق.. ما يصحش..
قاطعته بغيظ
ما تقولش أختك بس.. دي بنت فريدة..
ما إن سمعت صبا اللقب الذي تطلقه عليها نيرة حتى غمغمت معتذرة
عن إذنكم.. أنا هروح أشوف بابا... جايز يكون محتاجني.
ثم وجهت كلماتها إلى حسن وهي ترمق نيرة بنظرة ذات مغزى
مبروك يا حسن.. وحظ سعيد.
ثم ابتعدت برشاقة بينما رمقتها نيرة بغيظ
بنت خبيثة وسخيفة.
اسكتها بحزم
وطي صوتك.. ويللا بينا نحيي الناس.. برضوه دول جم هنا عشان يباركوا لنا.. وفعلا.. ما يصحش نسيب الحفلة ونبعد..
يعني إيه!.. مش هنخرج سوا...
لأ.. هنأجل الخروج ليوم تاني..
بكره
خلاص.. ماشي.. بكره.. يلا بينا نسلم على الناس
اختلطا بالفعل وسط المدعوين وتلقى حسن التهنئة بقناع مبتسم رسمه على وجهه.. بينما نيرة كانت في أوج غيظها لضياع فرصة انفرادها بحسن ولكنها قررت الاستمتاع بما تبقى من الليلة وهي تستعرض خاتمها الماسي
والقلادة التي تناسبه وتتباهى بأن حسن أرسل لشرائهما خصيصا من باريس
حتى يرضي ذوقها..
كان حسن يسمعها ويبتسم في سخرية فهو لم ير الخاتم والقلادة الا عندما دفعهما والده في يده حتى يلبسها اياهم.. فهو تقمص دور المتفرج في تلك الخطبة من أول خطوة بها حتى بذلته الفخمة اشتراها له مازن شقيقه.. الذي اقترب منه في هدوء ليضع يدا مؤازرة على كتفه
حسن.. حاول تشيل قناع السخرية اللي على وشك ده!
سخر حسن من نفسه
القناع التاني هيكون قناع الكآبة.. أي واحد يعجبك أكتر..
خلاص يا سيدي.. السخرية أرحم من الكآبة.
رمق حسن شقيقه الأصغر لثوان
مش قادر يا مازن.. مش قادر استمر في المهزلة دي.
رمقه مازن بنظرة غير مفهومة.. ثم أخبره
بس هي بتحبك قوي..
أومأ حسن موافقا
أيوه.. منى كمان قالت لي نفس الكلام..
صاح مازن بدهشة
منى!!.. أنت كلمتها..
أومأ حسن مرة ثانية
أيوه.. ولسه مصرة أننا ما نتجوزش إلا بموافقة بابا.
يا الله.. معقولة بتحبها للدرجة دي!
بحبها!!.. بحبها دي كلمة بسيطة.. أنا بعشقها بتنفسها.. باعيش لأنها عايشة.. والدك العزيز خيرني بين خطبتي لنيرة وأنه يرمي عم نصر أبو منى في الشارع... لا ده لمح أنه ممكن يلفق له تهمة توديه في داهية هو ومنى.. وأنت فاهم طبعا بابا كان قصده إيه..
هز مازن رأسه بتفهم
أيوه.. بس ما اعتقدش
إن بابا كان ممكن يتمادى..
قاطعه حسن پألم
يتمادى!!.. ده في لحظة رفع سماعة التليفون وكان بيتصل بحسام بيه صاحبه.. طبعا عارف إنه يبقى رئيس مباحث الآداب.. أنت قادر تتخيل كمية القهر اللي حسيت بيها لما استوعبت أنه ناوي يدمر سمعة منى.. ما حستش بنفسي إلا وأنا پصرخ له.. أني هسيب منى ومش هتجوزها.. بس هو يوقف الضغط عليا عشان أخطب نيرة.. لأنه أولا وأخيرا هيكون ظلم لها أني أخطبها وقلبي متعلق بغيرها.. لكن أبوك.. قعد يلعب بسماعة التليفون كأنه بيفكرني هو ممكن يعمل إيه.. لقيت نفسي پصرخ وأقول له موافق.. موافق.. وطبعا هو كان في قمة سعادته بعد ما فرض رأيه عليا واطمن إن الشركة في الحفظ والصون.. طالما نيرة هتكون من نصيبي.. مش مشكلة إن الكل حزين.. الكل تعيس.. المهم إن دايرة الأعمال تدور..
سكت قليلا ثم ربت على كتف شقيقه
أنا عندي استعداد أضحي بأي شيء.. بس أخرج من دور العريس السعيد.
ثم ترك أخاه وعاد للاختلاط بالمدعوين يسمع كلماتهم المتناثرة ويرد عليهم بما يليق لا يعلم كيف... فهو يشعر كمخدر تماما..
رمق مازن شقيقه بحسرة وهو يتحرك بقوة الدفع بين الحضور وكأن حزنه على فراق حبيبته يمنحه الطاقة للمضي.. كان يبدو كخيال إنسان.. أو ربما كإنسان آلي يتحرك بدون شعور..
غمغم مازن هامسا
مش أنت لوحدك اللي فقدت حبيبتك الليلة يا حسن..
التفتت ليلمح نيرة وهي تتألق بثوبها العاړي بين المدعوين وهم يرمقونها بنظراتهم النهمة.. مما دفع بطاقة الڠضب تجري في عروقه وهو يهمس لنفسه
أنا مش فاهم.. إزاي حسن موافق إنها تلبس فستان زي ده والعيون بتاكلها أكل.. لو كانت خطيبتي.. كنت غطيتها من راسها لصباع رجلها الصغير.. بس لو.. 
لمعت نظراته بتعبيرات عشق خالص.. وهو ينظر إلى نيرة محركا رأسه برفض لأفكاره المشوشة.
الفصل الثاني
بعض الحرمان.. كثير من الحزن.. بعض الفراق.. وكثير جدا من البكاء.. قليل من لحظات السعادة.. وكثير جدا جدا جدا من الألم.. إنها الوصفة السحرية لأي قصة حب مستحيلة.. لأي قصة عشق خيالية تدور أحداثها فقط في قلوب العشاق والمحبيين....
كانت تلك بعض من خواطر خطها حسن بعد انتهاء حفلة خطبته وآوى أخيرا إلى عزلة حجرته.. إلا أن هاتفه ما لبث أن دق مرارا وتكرارا مظهرا على الشاشة اسم نيرة.. ولكنه يتجاهله.. ففي كل مرة يسمع رنينه يرفعه بلهفة عاشق لسماع صوت محبوبته ولكن في كل مرة يصدمه الواقع باسم نيرة..
فقرر تجاهل الهاتف واستمر في كتابه أفكاره وخواطره.. عله يصدر بعض من الحزن الذي يعصف به إلى الورق..
أخرجه من اندماجه صوت طرقات على باب حجرته وما لبث أن دلف مازن إلى الغرفة وهو يصيح بدهشة بعدما رأى حسن جالسا على مكتبه
حسن!!.. أنت لسه صاحي!
رمقه حسن بسخرية
لا.. نمت!.. أنت شايف إيه!
هز مازن رأسه بأسى
أنت لسه برضوه لابس قناع السخرية دا
ما تشغلش دماغك بيا.. كنت عاوز حاجة..
خبط مازن يده على رأسه
آآخ.. كنت هنسى!
ثم دفع إليه هاتفه قائلا
نيرة بتحاول تتصل بيك بقى لها مدة.. يظهر إن تليفونك فاصل شحن.
أمسك حسن هاتف مازن في يده للحظات قبل أن يرفعه إلى أذنه
مساء الخير يا نيرة..
انطلق صوتها مرتفعا من الجهة الأخرى
حسن.. أنت فين ليه مش بترد عليا.. أنت كنت بتعمل إيه
وصل صوتها المرتفع إلى مازن الذي استأذن ليخرج من الغرفة وهو يغلق الباب خلفه بهدوء ويخفي وجهه الذي ارتسمت عليه أقسى معالم المعاناة والألم.. بينما زفر حسن بحنق
نيرة.. أنت عارفة الساعة كام دلوقت.. ازاي تتصلي على تليفون مازن في وقت زي ده الساعة عدت واحدة
سألته بلهفة
أنت بتغير علي يا حبيبي
أجابها بهدوء
أغير إيه وبتاع ايه!.. هغير من أخويا!!.. أنا بتكلم عن الأصول.
كادت أن تصرح له بعشق مازن لها.. عشقه المرتسم في نظراته.. في مراقبته لها.. في صوته.. في كل تصرفاته نحوها... ولكنها عنيدة لا تريد إلا صعب المنال.. حسن.. فلم يخلق بعد من يرفض نيرة غيث.. كانت بالفعل على وشك إبلاغه بذلك العشق الذي لا تعلم كيف لم يتعرف عليه ولكنها تراجعت.. إنها لم تمتلكه بعد.. لا تملك السيطرة الكافية عليه حتى تحاول استخدام مازن كورقة رابحة.. لم يحن الوقت بعد..
غيرت من أسلوبها وسألته
ما قولتليش إيه رأيك في فستاني الليلة حلو ومختلف صح
فوجئ حسن بالسؤال.. فستان!!!.. أي فستان هذا الذي تسأل عنه.. كيف يجيب على هذا السؤال!!.. هو بالفعل لا يتذكر الفستان.. لا يتذكر تصميمه أو شكله.. ولا حتى لونه.. حاول.. وحاول.. جاهد ليتذكر كيف كانت تبدو ولكن لا شيء.. لم يمر في ذهنه إلا وجه منى.. وصوت شهقاتها الحزينة..
لم يعرف بم يجبها.. فأنهى المكالمة بسرعة
آسف يا نيرة أنا مضطر أقفل لأن مازن محتاج تليفونه وأنا كمان مرهق وهنام تصبحي على خير.
أغلق الخط بسرعة مدركا أنه أثار ڠضبها بذلك.. لكن قدرته على التحمل قد انتهت ولن يستطيع مجاراتها في لعبة الخطيبين السعيدين... وهي أول من تدرك أنها لعبة.. تدرك طبيعة مشاعره نحوها.. وتعلم تماما أنه عاشق لأخرى.. ولكنها رفضت التراجع.. أبت مساعدته بعد أن ذهب إليها يتوسل مساعدتها...
عاد بذاكرته لأسبوع مضى.. سبعة أيام فقط .. غيرت من حياته..
كان يومها في مكتب والده يحاول كعادته إقناعه بفكرة زواجه من منى.. بينما والده يعدد له مزايا الزواج من نيرة.. وعندما لاحظ عامر عزوف حسن الكلي عن نيرة ألقى بورقته الأخيرة.. وكان الټهديد بطرد نصر والد منى.. بل لم يكتف بذلك ولكنه ألمح إلى تلويث سمعة منى.. وتدبير تهمة تمسها وتمس شرفها.. وأبلغه أنه حدد موعد خطبته على نيرة بالفعل.. وحذرة من مخالفة أوامره
لقد صعق حسن من فداحة ما وصل إليه تفكير والده بل وتحديده موعد خطبته بالفعل وإبلاغه به كأنه شيء لا يخصه.. فأدرك أن الأمر قد خرج عن السيطرة.. والحديث مع والده لن يؤدي إلا إلى أسوأ النتائج.. فتركه غاضبا مقهورا بعدما اضطر أن يوافق مرغما على الخطبة..
فكر يومها أنه إذا صارح نيرة بحقيقة الوضع وطبيعة مشاعره نحوها فإنها ستساعده في إقناع والديهما بعدم جدوى ذلك الارتباط...
ضغط أزرار هاتفه ليتصل بنيرة
نيرة.. مساء الخير.. أنا حسن..
هتفت بسعادة على الجانب الآخر
حسن!!.. ياااااااااه.. أخيرااااا أنت اللي اتصلت بيا!
اممم.. نيرة ممكن أشوفك دلوقت
هتفت بلهفة
طبعا.. أنا في الفيلا.. هستناك.
كانت بالطبع تعلم أنه يريد أن يتنصل من الخطبة حتى يتفرغ لحبه الأبله لابنة السائق.. هل يظنها عمياء ولا ترى نظراته التي تنطق بالحب عندما ينظر إلى منى!.. أو صوته الذي يرتعش بعشقه عندما ينطق اسمها!.. ولكنها لن تمنحه الفرصة للهروب من الارتباط بها.. فذلك الارتباط بينهما شيء مقدر.. وهي متأكدة أنه ما إن يمتلك جمالها.. ويشعر بأنوثتها بين يديه سينسى كل ما في ذهنه عن ابنة السائق..
وصل إليها بأسرع ما يمكنه فوجدها بانتظاره في حديقة منزلها ترتدي بنطلون جينز يلتصق بها وكأنه جلد ثان لها.. بينما كشفت الفتحة الواسعة لبلوزتها عن أحد كتفيها الذي لمع تحت
خصلاتها الحمراء الناعمة..
ما إن وضع قدمه في حديقة الفيلا حتى وجدها تسرع إليه مرحبة
حسن.. أنا مش مصدقة عينيا.. معقول أنت هنا قدامي!!.. أكيد أونكل عامر بلغك بميعاد الخطوبة.. تصدق الأسبوع الجاي.. بسرعة كده.. أنا مش عارفة إذا كنت هلحق أجهز نفسي في الوقت المناسب.. أنا بعت فعلا عشان أطلب الفستان.. و..
قاطع حسن استرسالها في الكلام
نيرة.. لحظة.. لحظة..
تنهدت بقوة
آسفة.. الكلام أخدني من فرحتي يا حبيبي.. ونسيت أرحب بيك.. اتفضل.. اتفضل استريح..
واصطحبته إلى مائدة مستديرة تقع بجوار المسبح الدائري والمظلل ليخفي من بداخله عن العيون

انت في الصفحة 2 من 39 صفحات