الإثنين 25 نوفمبر 2024

فاذا هوى القلب بقلم منال سالم

انت في الصفحة 19 من 77 صفحات

موقع أيام نيوز


بإيجاز وهي تنحني لتقبل رأسها 
ماشي
استمعت بعدها كلتاهما إلى صوت صافرة القطار فتملكها الحماس للمضي قدما وصاحت بتلهف 
يالا يا ماما
حركت والدتها مقعدها المتحرك بكفيها في حين رفعت أسيف حقائب السفر بيديها واتجهت الاثنتان نحو القطار دنت أسيف من أحد عمال السكة الحديدية وطلبت منه العون في إدخال والدتها إلى داخل عربة القطار قائلة برجاء قليل 

ممكن مساعدة يا حضرت
الټفت العامل نحوها ونظر إلى حيث تشير ثم رد عليها بنبرة رسمية 
حاضر يا ست
بعد برهة كانت كلتاهما بداخل العربة جلست أسيف على مقربة من النافذة وحدقت بحماس في المنظر الطبيعي بالخارج تسارعت دقات قلبها نوعا ما بسبب حماستها الزائدة وتشكل على ثغرها ابتسامة متفائلة ومتطلعة لغد أفضل عاودت النظر إلى والدتها فوجدتها ممسكة بمصحفها تقرأ فيه بعض أيات القرآن
تنهدت بعمق واستدارت برأسها مرة أخرى نحو النافذة داعية الله في نفسها أن ييسر لهما كل عسير
انتهى أغلب العمال من تحميل الشاحنات الكبيرة بألواح الرخام والسيراميك وكذلك أنواع الأرضيات المختلفة عليهم وتم إفراغ معظم المخازن مما بها من بضائع لوح منذر لسائقي الشاحنات التابعة له قائلا بنبرة مرتفعة تحمل الصرامة 
اتأكدوا إن كل حاجة متربطة كويس مش ناقصين يحصل زي المرة اللي فاتت والبضاعة تريح
رد عليه أحد العمال بثقة 
اطمن يا ريس منذر
الټفت منذر ناحيته وأردف قائلا بحدة وقد احتدت نظراته 
مش هاطمن إلا لما أتأكد بنفسي
صاح العامل بصوت مرتفع 
يالا يا رجالة شدوا حيلكم
راقبهم منذر بنظرات ثاقبة للغاية ففي المرة السابقة تعرضت إحدى شاحناته لموقف متأزم حينما مالت الحمولة للجانب وكادت تفقد الشاحنة توازنها على الطريق السريع مما
اضطر السائق للتوقف إجباريا على أقصى جانب الطريق مستنجدا به ليرسل له من يعاونه على إنقاذ الشاحنة قبل سقوط الحمولة بأكملها وبالتالي تكبدهم خسائر فادحة إن لم يكن تعرضه هو وأخرين لحاډث سير مفجع
لذا وقف بنفسه تلك المرة وسط عماله ليتأكد من اتباعهم لتعليماته بحزافيرها
دنا منه رئيس المخازن قائلا بنبرة رخيمة 
البضاعة اتحمل يا باشا ودي الفواتير والأوراق 
تناولها منذر منه وتطلع فيها بنظرات خاطفة وشمولية ثم رد عليه باقتضاب 
تمام
سار هو بخطوات سريعة نحو إحدى الشاحنات ليركب في المقدمة بجوار السائق ليشرف بنفسه على وصول بضاعتهم بأمان
وصل القطار إلى محطته الأخيرة فترجلت منه أسيف ومن بعدها والدتها بمعاونة عاملين المحطة جرجرت حقائبها خلفها وتلفتت حولها بنظرات حائرة هي لم تعرف إلى أين تذهب تحديدا فقد كانت تلك هي المرة الأولى التي تبتعد فيها تماما عن قريتهم البسيطة وتنتقل إلى مكان أوسع وأكبر وأكثر إزدحاما
ارتفعت الحماسة بها لكنها كانت ممزوجة بالقلق والتوتر
انتبهت لصوت والدتها يناديها بتحذير 
بالراحة يا أسيف خلينا نشوف هانعمل ايه الأول 
حاضر يا ماما
قالتها أسيف مبتسمة برقة تباطأت في خطواتها واتبعت إرشادات اللوحات المعدنية لتصل إلى خارج المحطة بعد عدة دقائق كانت كلتاهما على مسافة قريبة من منطقة سيارات الأجرة
أسندت أسيف الحقائب إلى جوارها وأخرجت الورقة التي تحمل عنوان عمتها لتقرأها أخذت نفسا عميقا حبسته لثوان في صدرها ثم أخرجته دفعة واحدة ونظرت إلى والدتها بحنو مرددة 
جاهزة يا ماما
بادلتها حنان نظرات شبه متوترة وردت بخفوت 
ايوه ربنا يكملها معانا بالستر
بحثت هي بعينيها سريعا عن إحدى السيارات لتقلهم إلى العنوان المذكور وبالفعل حظت بواحدة بعد معاناة مع السائقين المتذمرين فالمسافة لم تكن هينة قام السائق بوضع الحقائب في صندوق سيارته ثم تعاون مع أسيف في إسناد حنان وإجلاسها في المقعد الأمامي
جلست هي في الخلف وتطلعت بتلهف من النافذة لرؤية عمتها الوحيدة على النقيض كانت حنان تخشى ما هما مقبلتان عليه هي عهدت تلك الفترة المظلمة من حياة زوجها الراحل رياض وتعرف مدى شراسة وغلظة طباع ذلك الجانب من العائلة ربما لم تحدث ابنتها عنهم مسبقا بسبب عدم اختلاطهم بهم لكنها باتت نادمة لذلك
انطلق السائق في وجهته متخذا الطريق السريع ليتجنب زحام السير ولكن حدث ما لم يتوقعه تعطلت سيارته في منتصف المسافة واضطر أسفا أن يصفها على الجانب ليكتشف العطل محاولا إصلاحه
كانوا محظوظين إلى حد ما لوجودهم بالقرب من محطة لتمويل السيارات بالوقود فإن تعذر على السائق إصلاح العطل سيكون من السهل اللجوء لمساعدة من بالمحطة دققت أسيف النظر في المنطقة حولها ولمحت وجود استراحة على مقربة منهم على الجانب الأخر من الطريق مخصصة لبيع السلع الغذائية فابتسمت بسعادة وهتفت قائلة 
ماما أنا هانزل أجيب حاجة سخنة نشربها 
ردت عليها أمها بعبوس فقد تملك الإرهاق منها بسبب عناء السفر المتواصل 
مش عاوزة خليكي أعدة جوا العربية وخلاص
أصرت أسيف على طلبها قائلة بإلحاح وهي تشير بيدها نحوها 
شوية شاي بس ياماما من الاستراحة اللي هناك دي
استمع السائق لحوارهما فتدخل قائلا بضجر 
لو عاوزين تقعدوا هناك شوية براحتكم العربية هتاخد وقت في التصليح
رفضت حنان الترجل من السيارة قائلة بجدية 
مالوش لازمة خليني في مكاني
ثم همست بصوت خفيض يحمل المرارة 
مش حابة اتبهدل وأتعب اللي حواليا
تفهمت أسيف موقفها وسألتها وهي تبتسم لها بابتسامة خفيفة 
طب أجيبلك مياه من هناك أو أكل جاهز سندوتشات أو
اعترضت حنان مقاطعة بنبرة تحمل الإرهاق 
لا
يا بنتي مش عاوزة
هتفت أسيف مرددة بإصرار قليل 
طب أجيب عصير بس هينفعنا لسه قدمنا شوية ماشي يا ماما
ردت عليها مستسلمة 
ماشي
ترجلت أسيف من السيارة وهي تحمل في يدها حافظة نقودها ثم التفتت نحو والدتها حينما سمعتها تحذرها 
خدي بالك وانتي بتعدي الشارع العربيات هنا مش زي عندنا 
أومأت برأسها إيجابا مرددة 
حاضر 
وبالفعل اتخذت حذرها وهي تعبر الطريق للجانب الأخر لكي تصل إلى الاستراحة مكثت هي بداخلها لبضعة دقائق متفقدة ما تحتويه من مأكولات سريعة ومشروبات باردة وساخنة أثرت أن تحضر لوالدتها مشروبا باردا بجانب المياه وبعض الحلوى لتعطيها الطاقة فهي تعلم رفض أمها القاطع لتناول أي شيء خارج المنزل فلم تجازف بشراء طعام جاهز لها
دفعت أسيف الحساب ثم خرجت من الاستراحة لتعاود أدراجها حيث تتواجد سيارة الأجرة لم تضع باقي النقود في حافظتها وطوتهم بداخل راحة يدها أسرعت في خطاها لتجتاز الطريق السريع دون أخذ الحذر الكافي من السيارات المسرعة القادمة أمامها
في نفس التوقيت اقتربت الشاحنة المتواجد بها منذر من الاستراحة لمح هو
شبح شيء ما يحاول المرور ظاهرا فجأة أمامه من العدم فمد يده بحركة لا إرادية سريعة نحو عجلة القيادة ليديرها في الاتجاه الأخر ليتجنب دهسها أسفل عجلاتها فإنحرفت الشاحنة نسبيا عن مسارها وصدر عنها صوتا مزعجا للغاية نتيجة الضغط على المكابح بقوة وبحركة احترافية لسائق ماهر تمكن بمهارة من إيقاف السيارة ومنع حاډثة مروعة من الوقوع
تسمرت أسيف في مكانها مذهولة مما حدث وتجمدت نظراتها على تلك الشاحنة التي تجاوزتها بمعجزة حقيقية ارتخت أصابعها عن النقود المطوية في قبضتها وتركتها تسقط منها لتطير بفعل الهواء في اتجاه الشاحنة
نعم لقد كانت قاب قوسين أو أدنى من المۏت المحقق هوى قلبها في قدميها من فرط الړعب ودب في جسدها إرتعاشة رهيبة من هول الموقف كما تلاحقت أنفاسها بصورة سريعة
انتاب منذر حالة من الڠضب الشديد بسبب حماقة تلك الطائشة فترجل من الشاحنة وعلى تعابيره نذيرا بالخطړ المهلك
تداركت أسيف نفسها ورأت ذلك المتجهم الغاضب المتجه نحوها
 

18  19  20 

انت في الصفحة 19 من 77 صفحات