لعبه بلا نهايه بقلم يسرا مسعد
ليلة البارحة پغضب إعصار ضاري فاليوم نالته هي بنعومة ودلال فائض والفضل کله يرجع لشهادة التجميل والتدليك التي حصلت عليها من فرنسا ومن قال أن الطريق لقلب الرجل معدته فهو لمخطی فاليوم الطريق يبدأ من عضلاته المتعبة التي تشدو الراحة واستيقظت بمنتصف الليل وابتسمت بسعادة بالغة فحبيبها نائم كطفل صغير بين ذراعيها بفراشها فالليلة جعلته يترك القصر وأطفاله وأمه وأذعن لحاجته لها وبالغد القريب لن يستطيع التخلي عنها كما فعل بالبدينة قبلها.
.. بعد ما تفطروا في البريك تاكلوا الحاجات الحلوة اتفقنا!
أشار لها الصغار بالموافقة وحثتهم سالي للدخول حتى لا يثيروا ڠضب المعلمة وودعتهم بإبتسامة واسعة وهي تعدهم بأنها ستكون بإنتظارهم بالقصر عندما يعودون سارت سالي بخطوات متكاسلة وهي تفكر بالجدوى مما تفعله بحياتها تسترق لحظات
بالقرب من أبنائها ولم عليها أن تخوض هي ذاك الصراع أكانت هي المخطئة هي من تمتلك الحق بأبنائها حتى تمتلك الحق بسليم الصغير وليس هو فرت دمعة من عيناها فهي غير قادرة على النطق باسمه وتكتفي بتعريفه كأداة ضمير لا قيمة لها أضحى ذكرى مريرة بحياتها واليوم لا يخصها ولا هي تهمه أو تقربه وليت بإمكانها كراهيته مسحت دموعها ورفعت رأسها وعادت لتذكر نفسها أنه من تخلى عنها ولن تعيش هي الباقي من حياتها للبكاء خلف رحيله واصطدمت عيناها بتلك اللوحة الأعلانية عن مركز علاج الأسنان ذاك بوسط المدينة مرة أخرى فعقدت حاجبيها بعزم بالغ إلى متى الهرب عليها البدء بممارسة حياة فعلية بعده
.. كنت لسه جاية اتطمن عليك
فقالت هازئة
.. تشوفيني عايشة ولا مت!
تجاهلت نعمات كلمات سيدتها القاسېة كما اعتادت وقالت
.. أجيبلك الفطار هنا
وبالمقابل تجاهلت سوسن سؤالها وقالت
.. الولاد فطروا مع باباهم وراحو المدرسة
هربت نعمات بعيناها بعيدا فالسيد غاب عن القصر البارحة ولم يعد هو وعروسه الجديدة وقالت بصوت متردد
عقدت سوسن حاجبيها وكالساحر عندما يتلاعب بأوراقه تلاعبت بكلماتها من جديد
.. وجاسر نزل فطر معاهم هو والعروسه!
رفعت نعمات عيناها وقالت بنبرة غاضبة
.. البيه مبتش هنا إمبارح لا هوا ولا العروسة
وإن كانت نعمات ظنت أنها من تشعر بالڠضب فما رأته بعدها بل وما سمعته لهو بركان من الڠضب حتى شعرت بالقلق الشديد على مخدومتها التي أمسكت بصدرها وهي تتألم بصوت مرتفع وصړخت ببقية الخدم ليأتوا لها منقذين وبسرعه اتجهت للهاتف وأول من تبادر لذهنها كان أسامة الذي أمرها بالهدوء قليلا وأخذ أنفسها والتحدث كي يستطيع فهمها فقالت بعدما هدأت أنفاسها نسبيا
ولم تجد منه إجابة فقد حمل هاتفه وترك الشركة ليقود سيارته بسرعة بالغة لنجدة أمه
ربما تكون رياضية ذكورية بعض الشيء ولكن تلك أقاويل الرجال فالملاكمة تجري بدمائها منذ أن كانت طفلة في السادسة من عمرها تراقب حركة اللاعبين وسرعتهم والنيل من بعضهم بلكمات قاضية كما علمها والدها والمفضل لديها على الإطلاق محمد علي كلاي ذلك الأسطورة الذي حصد بطولات وألقاب عظيمة واليوم تمارس تلك الرياضة بإنتظام فهي أولا وأخيرا شغف لا يضاهيه شغف كما أنها تمد ساعديها بالقوة التي تلزمها لإجراء العمليات الجراحية الطويلة الصعبة قطع صوت الهاتف تدربيها المنتظم الصارم منذ ساعة أو أكثر فرحبت به وهي ترتشف الماء لتروي عطشها وترد قائلة بأنفاس متقطعة
.. آلو
أتاها صوته مستنجدا
.. دكتورة ريم أنا أسامة سلیم حضرتك فكراني
وهل غاب عن خاطرها ولكنها كذبت كحواء متمرسة وهي تخلع قفاز الملاكمة الضخم وتمسح عرقها المتصبب من جبهتها قائلة بإستخفاف
.. همم مش أوي لكن عاوز إيه ده الأهم
رد أسامة قائلا
.. والدتی تعبت وأغمي عليها وأنا مش عارف إيه اللي حصل أنا السه رايحلها ممكن حضرتك تيجي تكشفي عليها أكون شاكر جدا
زمت شفتيها وقالت بإحترافية متجاهلة مشاعرها المتضاربة
.. هوا أنا في الغالب مبروحش بيوت لكن أنا عندي ساعة زمن فاضية لو العنوان قريب مني هروح غير كده آسفه ياحضرتك تجيبها المستشفى يا إما
قاطعها راجيا
.. العنوان في كفر عبده وأرجوك هيا حالتها متنفعش تروح مستشفى
عقدت حاجبيها وقالت
.. مليني العنوان بالكامل
رنين الهاتف قض مضجعه فقام فزعا وهو يتأمل جدران الغرفة حوله لاعنا تأثير داليا السحري عليه ليلة الأمس لقد بات ليلته بشقتها تاركا صغاره بمفردهما مع أمه رد بصوت نائم نسبيا
.. آلو
فقال أسامة غاضبا
.. ممكن أعرف أنت فين دلوقت!
فرد كاذبا فهو يخجل من التصريح بأنه قد بات ليلته بشقة زوجته
.. أنا في البيت خير في حاجة عندك في الشغل
فقال أسامة ساخرا حانقا
.. ولما أنت في البيت نعمات بتتصل بيا ليه عموما ماما تعبانه وأغمي عليها وأنا رايحلها وكلمت دكتورة ياريت تسيب ست الحسن والجمال وتفضيلنا نفسك ساعة دي أمك برضه
أغلق الهاتف
وألقاه جانبا وقام ليغتسل مسرعا فاصطدم بداليا وهي تقول له بحبور
.. صباح الخير يابيبي مالك مكشر كده ليه!
دفعها جانبا وهو يدلف لداخل الحمام قائلا بخشونة
.. ماما تعبانة أوي وأنا لازم أنزل بسرعة
عقدت داليا حاجبيها وخرجت وهي تهمس حانقة
.. الحرباية كل ده عشان مبتش هناك إمبارح صبرك عليا یا سوسن
وقفت أمام باب المركز مترددة في الدخول داخلها يضج ببدايات حديث والخلاصة لا شيء فهي فعليا تقف خاوية الأيدي حتى من شهادة خبرة أو سيرة ذاتية وماذا عساها تذكر فيها أنها عملت لعامين في تكليف حكومي ثم تخلت عن مهنتها لتقوم بالعمل سكرتيرة لزوجها السابق لمدة لا تزيد عن بضعة أشهر وأدارت مرکزا شبيها إدارة دون المتوسطة لتفشل بعدها فشلا ذريعا وبالنهاية هي ربة منزل بإحتراف مشاعرها المتناقضة كانت ترتسم بوضوح على وجهها ما بين الخيبة والإحباط والڠضب الشديد وأخيرا اليأس فقررت العودة أدراجها غير مدركة أنه هناك من يراقبها وكادت أن تصطدم به فشهقت وعادت للخلف خطوتان فقال معتذرا
.. أنا آسف جدا مقصدتش
تأملته سالي لقليل من الوقت وأقرت أنه يشبه أسامة قبل التغيرات التي طرأت عليه فقالت
.. ولا يهمك
وهمت بإنصراف مسرع فاستوقفها الغريب وقال
.. هوا إيه المركز مش حلو معجبتكيش الخدمة
فقالت نافية بسرعة
.. لا لا أنا مدخلتش أصلا مش جاية لعلاج يعني
رفع حاجبيه وقال
.. آه خضتيني یعنی معظم الناس بتشكر في الموجودين هنا وأصل الأسنان دي ړعب فعلا
أشارت له لتطمئنه
.. متقلقش حضرتك أنا كنت جاية أقدم على شغل هنا بس معييش سي في
فقال يإهتمام
.. هوا حضرتك دكتورة أسنان
هزت رأسها
.. آه
فتح فمه فجأة واقترب منها وهو يقول بصوت غوغائي
.. هوا الضرس ده محتاج يتخلع
نظرت سالی يإنزعاج لداخل فکه ورأت ما يشير إليه فقالت وهي تسترجع معلوماتها الطبيه ثم قالت
.. هوا الأفضل حضرتك تعمل أشعة بس أظن هيحتاج تنضيف وحشو وممکن کراون بس عندك ضروس العقل اللي فوق واللي تحت في الغالب هتخلع حالتهم مدمرة أفضلك يعني
ابتسم لها الغريب ومد يده يصافحها قائلا
.. أنا دكتور كريم مدير المركز وكنا فعلا محتاجين دكاترة أهلا بيك يادكتورة تقدري تبدأي شغل معانا وحبذا لو اتعرف بإسمك
نظرت له سالي متعجبة وهي تمتم بخجل وتصافحه بالمقابل
.. سالي محسن
أنهت الكشف على المرأة السبعينية والتي استعادت وعيها بحرفيتها المعتادة متجاهلة أسامة الذي كان يقف ملاصقا لفراش أمه والآخر الذي اقتحم الغرفة بصوته المرتفع وسلسلة من الأوامر لم تعيرها أي إهتمام عن فريق طبي آت في الطريق وأن عليها التنحي جانبا وأن سعيها مشكورا تلك الكلمة التي جعلتها ترمقه بنظرة إستعلاء بتوقيع ريم الراضي الطبيبة المحنكة الحاصلة على شهادات طبية تفوق فريقه الطبي الذي ظهر بعد لحظات وهو يوليها فروض الطاعة وفي إنتظار إشارة من طرف إصبعها بفهما المزموم دوما وعيناها المتناقضتان اللتان تنضحان بالبرودة تجاوزته وخلفها سار الفريق الطبي وأسامة وجاسر يتبعهما كمن لاحيلة له حتى قال رئيس الفريق متملقا
.. لو عرفنا يادكتور ريم أن حضرتك هنا إحنا كنا مجناش خالص
فقالت ببرود وقح
.. حضرتك يا دكتور تقدر تشوف شغلك مع اللي اتصل بيك في الوقت الحالي أنا وقتي ضيق ومحتاجة أتكلم مع الأستاذ أسامة
صرف جاسر الفريق الطبي شاكرا بعدما نقدهم أموالهم ووقف البرهة يراقب رحيلهم ومشاعره تتقاذفه كأمواج بحر لا قرار له حتى اصطدم بصخور الواقع الذي يعلنها له صراحة إنه مقصر مقصر بحق أطفاله مقصر بحق أمه التي شارفت على المۏت دون أن يكون إلى جوارها وأنه لم يعد أهلا لحمل لواء الأسرة بعد فلقد تكفل أخيه الأوسط بالمهمة وقام بها على خير وجه حتى الفريق الطبي الذي استدعاه في آخر ساعة وقف مثله قليل الحيلة عاجزا أمام تلك المحكنة والذنب يقع على عاتقه والڠضب أيضا يقع على عاتق المحيطين به واقتحم مجلس الإثنان ليستمع لما تقوله تلك المتحذلقة التي كانت تشرح لأخيه حالة أمهما المړيضة
.. یعني طبيعي في السن ده مع الكيموثيرابي والإنفعال اللي اتعرضتله تحصل أزمات زي دي الفكرة أننا ننتبه ليها ونحاول قدر الإمكان نبعدها عن الإنفعال دي أكتر حاجة تأذيها
فقال جاسرا مستنكرا
.. بس كده الإنفعال ممنوع طب ما طول عمرها بتنفعل عمرها ما جالها أزمة بالشكل ده
قامت ریم واقتربت منه بهدوء حتى قالت بأمر غير قابل النقاش وعيناها المتناقضتان تلمعان بشراسة قباله فهي تكره أمثاله من الرجال ممن يظنون أن باستطاعهم تحقير مجهود المرأة لمجرد إنها إمرأة
.. عشان كده من هنا ورايح ممنوع الإنفعال
فهتف جاسرا مستحقرا
.. دي أمي وأنا عارفها إكتبيلها مهدي على الأقل
التفتت ريم الأسامة الذي سارع لفض الإشتباك قائلة بسخريتها المعهودة وهي تتوق للتخلص من ذاك المتذاكي
..