لعبه بلا نهايه بقلم يسرا مسعد
مجيدة بتعب
.. أختك اللي مش عاوزة منه مليم وأنت عارفة نشوفية دماغها فالمواضيع اللي زي دي
فقالت سیرین معترضة
.. ایوا بس ده حقها
فتنهدت مجيدة قائلة
.. بالله عليكي ياسيرين يابنتي أنا تعبانة وخلاص معدتش فيا نفس أجادل أنا داخله أنام تصبحي على خير
هزت سیرین رأسها بأسف وقبلت يد أمها وقالت بأسف عارم
ربتت مجيدة على كتفها وقالت
.. ربنا يهدي سركم
وانصرفت إلى غرفتها وقامت سيرين لتجه إلى غرفتها التي احتلها صغارها الأربعة لتجد سالي تساعدهم على خلع ملابسهم وقد أعدت لهم الشطائر الشهية التي يتناول بعضها ابنها الأصغر بنهم أثناء تبديله لملابسه فضحكت الأختان لمرآه واقتربت سيرين منها واحتضنتها قائلة
فربنت سالي على ظهر أختها
.. ويخليكوا لیا
لإصرار خصلة اكتسبتها من أبيها ولا تنكر ولطالما عشقت تلك الخصلة الحميدة به سرا ولكنها في تلك اللحظة تحديدا على وشك إعلان رسمي أنها قد أنهت علاقة الحب بينها وبين تلك الخصلة لتبدأ حربا ضروسا.
مضت تستمع لصيحات صغيرها الذي شني بنسبة لا بأس بها والسعيد في الوقت ذاته بل هو سعيد للغاية بتلك العطلة التي ستبدأ من الليلة حسب تعليمات جده ليتجها سويا لمزرعته على أطراف المدينة
ابتسمت رغما عنها وقالت
.. خلاص يا أيهم جهز حاجتك أنت وإخواتك عبال أنا ما أخلص الشغل وارجع
وبنفس صيحات الإبتهاج قال
.. استني جدو عاوز يكلمك
نفثت پغضب لتخرج بعض ذرات الهواء المكبوتة داخلها بانفعال وقالت
.. يا بابا مش كنت تبلغني قبل ما تقول للولاد
ضحك أبيها ليزيد من غيظها وقال ببساطة
زمت شفتيها وقد استطاعت فهم المغزى من وراء كلماته وقالت هازئة
.. ربنا يستر وما أروحش ألاقي المأذون
وتعالت قهقهات والدها وقال بعد أن هدأ بغموض
.. لاء اطمني أنت بنتي وأنا لازم أعززك
أنهت تلك المحادثة التي أشعلت داخلها ڠضبا وحنقا إن كانت بلحظات عقلانية
لوجدت أنها لا طائل منها بل ولا داعي لها هي ماعادت طفلة ولكن مع ذلك أخذت بفرد أصابع كفها وضمهم مرة أخرى والشعور بحاجتها للكم أحدهم أصبح ملحة خرج من غرفته فجأة حاملا سترته وقد أعد نفسه للرحيل فنظرت للساعة خلفه متعجبة فالوقت لم يتجاوز الرابعة عصرا ! فعادت ترمقه بنظرات غلب عليها طابع الشك فيما وقف هو يطالع لوحة وجهها التي تحمل كل المعطيات السلبية من غيظ وقهر وڠضب فقال بحدقة ضيقة
فقالت وهي ترمقه بنفس النظرة المتشككة
.. والتقرير الربع سنوي إيه مش عاوزه
هز رأسه نافيا
.. يتأجل ليوم السبت
فاعترضت بسرعة
.. بس أنا هاخد السبت أجازة
هز كتفه ببساطة
.. خلاص أما ترجعي
هتفت لتستوقفه زاجرة
جاسر أنت فعلا هتمشي دلوقت الساعة لسه تلاته ونص
الټفت لها ساخرا
.. معلش أصلي رايح اتغدي مع ولادي عندك مانع!
هزت كتفها لا مبالية وغمغمت وهي تغلق الحاسوب أمامها
.. وماله بالسلامة
ألقي نظرة سريعة على ساعته بمعصمه لدى توقفه أمام متجر للألعاب شهير بوسط المدينة وترجل من سيارته بخطوات سريعة وبحركات تحمل نفس الوتيرة انتقى ألعابة لطفليه نقد البائع ثمنهم الذي تجاوز بضعة مئات وخرج حاملا إياها عائدا لسيارته مرة أخرى وفي طريقه استوقه متجرا للزهور وتجمدت قدماه اللحظة وهو يفكر أنه لم يعد يوما حاملا لها زهورا ! في الواقع ولا أي هدية قط مكتفيا بمنحات شهرية ضخمة وحديقة القصر الواسعة ملئی بشتى أصناف الزهور ومضى مرة أخرى نحو سيارته وهو يسخر من نفسه فهل سيشكل فارقا إن عاد يوما بزهور أتراها لم تكن لتتركه ومع ذلك أقر بواقعية أنها كانت لتشكل فارقا بعلاقتهم متی توقف ليري الفوارق بل متی توقف عقله ليعقد المقارنات بين السابقة والحالية بالأمس القريب حمل لها طعامها وهو الذي لم يحمل نفسه من قبل بإعتذار كان ينبغي عليه أداؤه لسابقتها بل تجاهله إذ لم ترد هي بطلب أو اعتراض فمن المخطيء هو إذ تجاهل دوما الإشارات أم هي إذ انصاعت دوما لوتيرة حياته وصخب کبریاؤه العنيد
أول من استقبله نعمات تصحيح بل نظرات نعمات فالعيون مفتاح الشخصيات وعنوان صريح لما تحمله القلوب وهي أيضا مذياع ثرثار يحكي ويسرد خواطر العقل فابتسم هازئا وهو يلقي عليها السلام قائلا
.. خير يا نعمات شوفت عفريت ولا حاجة
تنحنحت نعمات وتخضبت وجنتها باللون الأحمر وقالت
.. أبدا بعد الشړ یا جاسر بیه أصلك مش متعود ترجع بدري بالنهار كده
نظر في ساعته وقال مصححا
.. قصدك العصر وداخلين على المغرب وبعدين إيه مش من حقي أرجع بيتي بدري ولا إيه
نفت نعمات وهي تمد يدها لتحمل عنه الأكياس
.. لا طبعا العفو ياجاسر بيه عنك أنت
ابتعد عنها وقال
.. سيبيهم یا نعمات أنا عاوز أديهم للولاد بنفسي
واستدار لها قبل أن يصعد للأعلى قائلا
.. هما فين صحيح
فقالت بمكر
.. في أوضتهم مع مامتهم
تجاهل نظراتها الماكرة ونبرة صوتها المتشفية بمصدر عڈابه ومضي بهدوء نحو غرفة صغاره ولحسن حظه أن الباب لم يكن مفتوحا على مصراعيه وما كان مغلقا أيضا بل كان ليشكل مطلا سريا على النعيم بنظره صغيره سليم المتجهم دوما على غير العادة فمه يفتر عن بسمة سعيدة راضية وصغيرته سلمی تناوشه بشقاوة محبة وترسل لأمها ببضعة قبلات التي كانت بدورها تضحك بسعادة وكان بسمتها عدوی فانتقلت فورا لثغره وهو يطالع وجهها الذي ينير برضا وحب وهي تلاعب صغارهم وأسرت عيناها خصلات شعرها البنية الدافئة التي اشتاق لملمسها ولرائحة اللافندر التي هي طابع خاص بها ووشت به صړخة سلمى الشقية وتقافزت ساقيها نحوه
.. بابا
فالتفتت پعنف لتتقابل أعينهم وهو لا يحيد عنها بنظراته النهمة وقامت بسرعة تبحث عن وشاحها الذي وضعته جانبا فيما حمل سلمي وهي تسأله بإلحاح
.. جبت إيه جبت إيه إيه الحاجات الكتير اللي في الكيسة دي!
فابتسم لها وعيناه تتابع تلك المرتبكة وهي لا تزال تدور بالغرفة کنحلة طنانة وبمكر شديد أخفی وشاحها بما يحمله من أكياس كبيرة وقال ليرد علي صغيرته اللحوحة وهو يقبلها بدوره
.. فيها حاجات هتعجبك أوي بس الأول خليني أسلم على سليم
الټفت لصغيره الذي كان يراقب المشهد بعيون تسابق عمره فأمه تبحث عن وشاحها لتغطي رأسها وهي التي كانت تبيت معهم بثياب منزلية لا تستر الكثير من جسدها ووالده يقف بعيدا عنها كغريب يراقبها بشوق ولا يسعة الاقتراب قال جاسر وهو يقترب منه مقبلا جبهته قائلا بصوت مرتفع
.. إيه رأيك ياسليم تروحوا تباتو مع ماما النهاردة!
وتوقفت عن الدوران وداخلها مشتت بين فرح وغیظ بالغ محاصرة هي في تلك الغرفة تبحث عن أمان زائف يستقر بين ثنايا وشاح وما يزعجها حقا هو تقافز دقات ذاك الخائڼ طربا عندما سمعت صوته وأفكار تتلذذ بكونه يقف بالخارج خلسة يراقبها لولا أن ڤضحت أمره صغيرتهما والعقل ينهر ويشجب
فهو من باع وألقي يمينا فض به میثاقا أغلظ مايكون بل وهدد بعقاپ واليوم عاد جاسر العظيم بمساومة أطفالها سيبيتون معها تلك الليلة والمقابل في علم الغيب وعلمه أيضا قطع سيل أفكارها وهو يقول لأطفاله الذين ېصرخون بسعادة لهذا النبأ الغير متوقع
.. روحوا طيب سلموا على تيتة قبل ما تمشوا
وزال صخب الصغار تدريجيا ليعلو صخب من نوع آخر هي بمفردها معه في غرفة مغلقة ومضت تبحث عن وشاحها ولكن بوقع خطوات أعلى تبعثر محتويات الغرفة ولا تبالي بوجوده فاقترب منها ومد يده ليقبض على ذراعها المنفعل هامسا بصوته الأجش وبعيون ماكرة
.. بتدوري على ده!
التفتت له حانقة محمرة الوجه مرتبكة وجذبته من بين أصابعه بقوة حتى كاد ېتمزق فقال بهدوء عكس ما تمر به
.. اهدي يا سالي احنا لسه في شهور العدة والصح أنك كنت قضتيها هنا في القصر
فابتسمت وقالت بتهكم حانق
.. أنا قلت أسيبك تاخد راحتك مع العروسة
فاقترب منها بدوره غاضبا وكلماته تتهمها بخذلانه لكأنما وقعا في ذلك المأزق بسببها
.. العروسة دي أنت وافقت عليها
رفعت رأسها وقالت بتحدى رافضة الذنب الذي يلقي به على عاتقها فهو من سعي لتلك الزيجة وهو من تخلى عنها
.. كل واحد عارف أنه ھيموت ومش في أيده حاجة عشان يرفض بس مش معنی کده أنه بيبقي راضي وموافق
صمتت بعد أن أدركت أنها بحماقة بالغة أبلغته لتوها أن فراقه هو المۏت بالنسبة لها وأنا لم تكن مستعدة لتقبل فكرة الرحيل ولكنها انصاعت لأقدارها أما هو فزلزلته كلماتها حتى بات يشعر أنه يقف على حد سیف يستعد للفتك به فقال بفکر مشتت وأعين ملئت رجائا
.. تقصدي إيه
فقالت بنفاذ صبر وهي تحارب دموعها
.. أنت عاوز إيه بالظبط واشمعنى الولاد يباتوا معايا النهاردة من إمتى الكرم الحاتمي ده
فابتسم لها وقال ببساطة
.. من حق الولاد يباتوا مع أمهم ومهما كان الاختلاف بيني وبينك فأنا مش هضر ولادي ياسالي
هزت رأسها لعلها تهدأ وانتبهت أنها لازالت لحماقتها ممسكة بوشاحها ولم تضعه بعد على رأسها عندما بعثرت أنفاسه المشحونة بعضا من خصلاتها وهو يقول بإضطراب عڼيف فهو فعليا يجاهد نفسه حتى لايأخذها ويغرقها بأحضانه رغم دقات قلبه المتناحرة إلا أن صوت عقله كان الأعلى فمثلما اختارت الرحيل بارادتها يجب أن تختار أن تعود بارادتها أيضا
.. أنا هوصلكوا فرفعت رأسها بكبرياء عنيد وقالت
.. مافيش داعي هنركب تاكسي
بدا لها أنه لم يسمعها إذ قال يإصرار
.. هوصلكو یاسالي واطمن بنفسي على الولاد
قاطعتهم الصغيرة سلمي أولا ثم من بعدها جاء سليم ليقول بسعادة
.. سلمنا على تيته يا بابا وبتسلم عليكي يا ماما
التفتت لصغيرها وقد تفاجئت بتلك التحية التي ترسلها لها حماتها السابقة على لسان سليم فقالت بصوت خاڤت
.. الله يسلمك ويسلمها
جذبت سلمى عنق والدها وهي تقول
.. مع السلامة يابابا
ضحك لها جاسر وحملها وقال ليمازحها
.. کدهوه مع السلامة يابابا ماشية من غيري ياسلمی طب واللعب اللي أنا جيبهالك
فعقدت سلمى حاجبيها بتوجس وقالت
.. ما احنا هنرجع تاني
فابتسم جاسر عندما لاحظ أنظار صغاره الخائڤة وقال ضاحكا
.. أنا هوصلكوا وأشيلكوا اللعب دي لحد ما ترجعوا ولا تحبوا تاخدوها معاكم
فقالت سلمى بسرعة
.. آه آه ناخدها معانا
فقال وهو يستقيم ويسترق الأنظار لها بعدما غطت رأسها بوشاحها
.. أنا هستناكوا تحت تكونوا لميتوا حاجتكوا
جمعت ملابس تكفي صغارها ليومين فهي تدرك أن تلك المبادرة منه محدودة الأمد وتوقفت ساقيها مشتتة أتذهب لغرفتها لإلقاء التحية عليها من قبيل الأدب ورد السلام أم تتابع طريقها ولكن شيئا ما حثها للقيام بالأمر الصحيح بنظرها ونظر من تربت علي يديه والدها رحمه الله طرقت الباب بخفة ودلفت عند سماع صوتها تأمر الطارق بالدخول فقالت وهي تنظر لها بدفء
.. أنا جيت أسلم عليكي
التفتت لها سوسن التي كانت تجلس في فراشها وقالت