الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

لعبه بلا نهايه بقلم يسرا مسعد

انت في الصفحة 31 من 57 صفحات

موقع أيام نيوز

في فقيدته الغالية لو كانت سالي مكانها لالتزمت الصمت وانزوت برکن مختفي وظهرت عندما يحتاج إليها دون أن ينبت بشفهه وتحت إثر عيناه الغاضبتان فوق رأسها اختفت من أمام أنظاره داخل الحمام وخرج هو بدوره بعدما ارتدى حلة رسمية وتخلص فقط من ربطة عنقه فهو بالفعل يفتقد الأنفاس رفع سماعة الهاتف ليصله صوت أخيه الأوسط فقال
.. أنت فين 
عبس أسامة وقال
.. خير مال صوتك 
رد بإقتضاب
.. تعالی 
توقف أسامة بالسيارة فجأة غير عابئا بصوت الأبواق الزاجر حوله وقال بصوت يرتجف
.. ماما
ظل جاسر صامتا لوهلة ورفض لسانه أن ينطقها فقال آمرا بخشونة
.. تعالى واتصل بأخوك 
وانقطع الاتصال المبتور بينهما واتسعت حدقتا أسامة غير مصدقا وتنهد بأنفاس متحشرجة پبكاء كتمه بصعوبة ثم أدار سيارته للطريق المعاكس پعنف أزعج صريره المارة حوله وقادها بسرعة چنونية نحو القصر وفي طريقه لم يجد سوى البريد الصوتي يستقبله فصړخ غاضبا
.. تقب من تحت الأرض وتيجي حااالا على القصر سامع وعزة جلال الله یا زیاد لو مجتش لټندم عمرك كله 
ظل طوال الطريق ېكذب ما سمعه من أخيه الأكبر حتى وصل للقصر فكانت الدلائل والإشارات واضحة أمامه كرؤى العين نعمات وبقية الخدم الذين اتشحوا بالسواد صوت المذياع الذي ينطلق بأعذب الآيات آیات الذكر الحكيم وأخيرا جسد أمه المغطى والذي وقف أمامه متجمدا لا يجرؤ على إقتراب ضم قبضته إلى

فمه يمنع نفسه من البكاء وأغمض عيناه وانهمرت دموعه بصمت على صفحة وجهه ثم تقدم بخطى بطيئة ورفع الغطاء ووضع فوق جبينها ومنح نفسه نظرة أخيرة لمحياها الذي كان يوما ينبض بالحياة ثم أخفاه بغطائه من جديد والټفت نحو ذاك الدرج الذي يحمل ما أوصت به وكما توقع فالدرج خاوي ولابد أن يكون أخاه من حمل ما بداخله خرج من الغرفة بهدوء وتوقف برهة في الردهة وتذكر أمر الصغار فمضى نحو غرفتهم وطرق الباب ودخل ليجد سليم الصغير وقد ارتدي حلة سوداء تناسب جسده وتفوق عمره وسلمی ارتدت بالمقابل ردءا أبيض بنقوش زرقاء يعلوه سترة مخملية بلون أزرق داكن فابتسم لهم حزينا واندفعت سلمى بأحضانه وقالت كأنما تواسيه بصوتها الملائكي
.. متخافش تیته فوق عند ربنا مبسوطة 
ابتسم رغما عنه وهز رأسه وهو يكتم دموعه وقال وهو يربت على وجنتها الوردية
.. آه هيا مبسوطة 
والټفت لسليم الساكن مكانه وقال
.. مش كده ولا إيه يا سليم 
ومد يده نحوه فتقدم سلیم بخطوات متثاقلة وقال بهدوء
.. ربنا يرحمها یا عمو 
فاحتضنه أسامة وردد مثله
.. ربنا يرحمها 
ثم استطرد بجدية
.. فطرتوا 
هزوا رأسهم نافيين وقالت سلمى
.. ملناش نفس 
فهز أسامة رأسه رافضا وقال
.. لاء مينفعش لازم تفطروا 
فقالت سلمى بعند
.. هنفطر لما ماما تيجي 
سكن أسامة لبرهة ثم قال
.. خلاص ماشي أنا هنزل دلوقت أشوف بابا 
وخرج أسامة من غرفتهما وترجل الدرجات بسرعة حتى وصل الغرفة مكتبه فدفع الباب ليرى أخيه وهو يقلب بأوراق أمامه أثناء حديثه لأحدهم عبر الهاتف ثم وضع السماعة وقال بصوت جامد
.. ده كان التربي واتصلت بمتعهد الأكل والمغسلة دلوقتي أنا رايح أشوف مكتب الصحة وأطلع شهادة الۏفاة 
فهز أسامة رأسه وقال
.. طب فيه حاجة أقدر أعملها 
.. اتصل بالناس عرفهم و الظرف ده مكتوب فيه 
وصمت ولم يستطع النطق فاقترب أسامة وجذبه من بين أنامله وفتحه ليطالع خط أمه الراحلة ومر على أسطره القليلة بسرعة ثم تنهد وقال
.. عاوزه سالي تكون حاضرة الغسل 
فهز جاسر رأسه وتحاشى النظر له وقال وهو يستعد للخروج
.. اتصل بيها وشوف بقية الأظرف فيها إيه عشان ألحق أطلع الشهادة قبل صلاة الضهر 
وأكد عليه قبل أن يختفي من أمام ناظريه
.. ومتنساش أخوك لازم يجي 
فهز أسامة رأسه وقال بصوت متعب
.. كلمته على الله يرد 
ويبدو أن أختها اعتادت ترك منزل زوجها غاضبة في أي وقت ليلا أو نهارا فعندما انتهت من تناول فطورها البسيط المكون من شريحة جبن خفيف وكوب من الشاي سمعت جرس الباب يدق بقوة فعبست بوجل واتجهت نحوه لتطالع وجه أختها برفقة أطفالها فتنهدت سالي بضيق ورحبت بالصغار وقالت وهي تنهر أختها الكبرى
.. وبعدين معاك ياسيرين كل شوية سايبة بيتك 
فالتفتت لها سيرين وقالت بدفاع
.. أنا مسیبتش البيت أنا جيت عشان أكون جمبك في يوم زي ده 
ارتفع حاجبي سالي بدهشة وقالت ساخرة
.. ليه إن شاء الله 
وأردفت غاضبة وهي تتابع طريقها نحو المطبخ لتجلي صحون الإفطار خاصتها
.. شيفاني مفطورة من العياط ولا بقطع هدومي من الغلب 
فأتبعتها سيرين وقالت بإلحاح
.. إنت عمرك ما كنت عنيدة كدة فيها إيه أما تتصلي بيه
فقالت سالي معنفة أختها
.. عوزاني أترجاه ولا أوطي على رجله أبوسها عشان يردني
حدقت سیرین بمحيا أختها الغاضب العنيد وتنهدت
.. وولادك ياسالي 
جففت سالي يديها وقالت بإصرار
.. هاخدهم منه 
فاتسعت عينا سیرین بغیر تصدیق وقالت بتصميم
.. وسليم هیسبيهوله
همت سالي بالرد فقاطعتهم أمهم التي قالت بصوتها الهاديء
.. متتعبیش روحك يا سيرين أنا مش عارفة أختك جابت نشوفية الدماغ دي كلها منین مكنتش کده 
فتنهدت سالي وقالت بضيق صدر
.. أنا كده هتأخر على شغلي أنا طلعت حاجة الغدا تفك ياماما متستنیش عشان هروح 
فقالت أمها بالنيابة عنها وهي ترمقها بنظرة شاملة
.. لولادك للي سيباهم في حضڼ غيرك ربنا ييسرلك طريقك 
تجمدت سالي وقالت بصوت يرتعش كمدا وقهرا
.. فکرکوا مش بتقطع من جوايا فکرکوا مش حاسة بس قولولي أعيش إزاي مع واحد رماني وماعدش عاوزني مستنيني أرجع وأحب على إيده وأقوله حقك عليا أنا غلطانة وندمانة 
فأغروقت عينا أمها بالدموع رأفة على حالها وقالت وهي تقترب منها وتدفنها بأحضانها الدافئة باكية هي الأخرى
.. لا عاش ولا كان اللي يذلك ياسالي يابنت محسن لا عاش ولا كان 
ثم تركت سالي أحضان أمها مرغمة لتبحث عن حقيبتها وترحل هارية من ۏجعها المسيطر على أنفاسها وأنفاس القريبين منها فقالت سيرين بخجل
.. خسيتي على فكرة 
انسلت ضحكة من بين شفتي سالي رغما عنها وقالت بحبور
.. بجد أنا بطلت أوزن نفسي عشان ما يجليش إحباط 
فقالت أمها لتشجعها بإصرار
.. يوووه دا أنتي رجعتي قرقوره زي زمان 
وقاطعهم صوت رنين الهاتف المصر فالتفتت سالي لأختها لائمة دا أكيد جوزك يا هانم فقالت أمها وهي تتجه للهاتف لتجيب
.. أنا هرد يالا

أنت عشان متتأخريش على شغلك 
رفعت مجيدة الهاتف ليأتيها صوت أسامة الراجي يحيها بود ويسأل عن سالي فقالت متعجبة
.. الحمد لله يا ابني مين معايا 
أجابها أسامة
.. أنا أسامة سليم أخو . . 
قاطعته مجيدة بنبض ملئه الرجاء
.. أيوا أيوا أزيك يا ابني معلش متأخذنيش سالي أهيه 
التفتت سالي عابسة واقتربت من الهاتف وهي تشير لأمها متوجسة فقالت أمها لتطمئنها وإشارات الفرح ترتسم على وجهها
.. ده أسامة أخو جاسر 
ورغما عنها انقبض قلب سالي فرغم كل ما تتمناه أمها إلا أنه مستحيل الحدوث بتلك الطريقة فهو لم يكن ليرسل مرسالا ليتوسط بينهما لم يكن يوما جبنا أو متخاذلا وبالتأكيد لن يكون يوما خائڤا فالتقطت الهاتف وقلبها ينبأها بالنبأ الذي يحمله لها أسامة وتقبلته جامدة وهي تغمغم بأنفاس متسارعة
.. البقاء لله يا أسامة نص ساعة بالكتير وهكون عندك 
فقال أسامة
.. تحبي أبعتلك السواق 
فردت قاطعة بسرعة
.. لاء أنا جاية حالا 
وانقبض قلب مجيدة وهي تراقب وجهها الذي أظلم فجأة ولم تقدر على النطق وهتفت سیرین جزعة
.. خیر
هزت سالي رأسها نافية وتنهدت بكلمات مبتورة
.. طنط سوسن 
فغمغا الإثنان
.. لا إله إلا الله 
وربتت أمها على كتفها مواسية فقالت سالي
.. أنا هدخل أغير هدومي 
وخرجت لتتجه للقصر وهي تشحن نفسها بالقوة اللازمة للقيام بتلك المهمة التي لم تقم بها من قبل ترتب في ذهنها المتقد ما يتوجب عليها فعله وكان على رأس أولوياتها تحاشیه فهي لن تدعه يظن أنها ستستغل ذلك الموقف للتقرب منه خاصة بيومهما الأخير.. لا تعلم كيف مر النهار بسرعة البرق بل كيف خرج جسدها من القصر مهرولا نحو مثواه وكيف تآزرت بنفسها لنفسها فقط كي تنفذ وصية أخيرة لتلك المرأة اليي تراها بعد نزع أثواب الحياة البالية عنها مسكينة رغم كل شيء أعدت طعام الغداء لطفليها وأطعمتهما بنفسها وتماسكت أمامهما وقلبها ينفطر ألما وذكريات نعش والدها المسجی تستقر جنبا إلى جنب جوار مشهد نعش حماتها القريب وقفت لتلقي واجب العزاء من النسوة القريبين بعضهن تعرفت عليهن في الحال.
فکانت درية ومدام هدی رئيسة الحسابات بالشركة من أقبلن عليها بتحية حارة والآخريات لم تكن رأتهن من قبل وتلك الفاتنة تقف على مقربة منها تعرف نفسها للغرباء عنها بزوجة الابن الأكبر بفخر كأنما حازت على جائزة نوبل في الفيزياء قامت بواجب الضيافة كانت كالنحلة الطنانة تدور ولا تهدأ تكاد تستمع لكلماتهن ينبذونها من وراء ظهرها بعضهن تحدثن بجرأة عن فقدان وزنها إثر عملية جراحية قامت بها بعد أن حصلت على أموال طائلة من الأكبر المنكوب في أمه والآخريات تشدقن بألسنة حداد عن جحود الأمهات في ذلك الزمن الغابر والذي جعلها تترك فلذة كبدها لتعيش حياتها بحرية كلمات وأحاديث لاتمت لرهبة وعظم المشهد بصلة تنالها وتتلقاها بظهرها وقلبها يأن ۏجعا وترسم إبتسامة ودودة بمقابل وجوههن المنافقة التي تحييها على عملها النبيل تجاه الراحلة وتلك الحية تراقبها بأعين كالصقر تخشى أن تغيب عن ناظريها وتستأثر بطيف من كان يوما زوجها فبكلمة واحدة لا بل بلمسة واحدة أو بإشارة يعيدها اليوم قبل أن تغيب شمسه لعصمته وداخلها يشتعل بالغيرة فالبدينة ماعادت بدينة وردائها المحتشم المكون من قطعتين ينحسر عن خصر رشیق وأرداف مثالية والأسود يليق بشحوب وجهها الخالي من مساحيق الزينة بعكسها وبشدة واختارت اللحظة الملائمة عندما عادت سالي للسكون بأحد المقاعد القريبة من درية قائلة للنسوة حولها بصوت عذب يصيب سمع المحيطين بأجمعهم وهي تحيط بكفيها حدود رحمها المسطح
.. الله يرحمها كانت غالية علينا أوي بس كأن ربنا بيعوضنا بغيابها عننا ياخد مننا روح ویوهبنا روح 
فشهقت المرأة التي تجاورها
.. مبروك يا حبيبتي ألف مبروك سبحانك يارب ليه حكمة أكيد 
والتفتت سالي تراقب ذاك الجمع المفترض به حزينا فإذا به ينبعث بالتهاني لتلك التي يرونها لأول مرة بحياتهم متناسين القريبة التي وارها الثرى كأنها لم تكن يوما ! وطعڼة أخرى تقبلتها بهدوء وارتسمت على وجهها إبتسامة كإبتسامة الموناليزا أثارت حيرة وڠضبا وحنقا داخل الزوجة السعيدة بنبأ حملها فقامت لتنصرف بعد أن أدت مهمتها التي كانت تتوق لها منذ بداية النهار على أكمل وجه وهي تقول بصوت منهك
.. معلش مضطرة استأذن 
فردت إحداهن
.. روحي ياحبيتي إرتاحي ربنا يتمملك على خير 
وما أن اختفت حتى قالت أخرى وهي ا
.. ياشيخة وليها عين دي قدمها قدم شوم 
واكتفت سالي بهذا القدر من النفاق غريبة هي وسطهن وداخلها كرجل يستظل بجدار وسط الصحارى ففقده إثر هبوب رياح
30  31  32 

انت في الصفحة 31 من 57 صفحات