الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

لعبه بلا نهايه بقلم يسرا مسعد

انت في الصفحة 32 من 57 صفحات

موقع أيام نيوز

أطاحت به وبكل ما يحيطه أو كطفل فقد أمه فطفق يبحث عنها بظلام الليل تحت زخات مطر منهمر ولم يجدها وتحت إلحاح من درية التي طالبتها بالانصراف فهي تبدو متعبة للغاية وطمأنتها أنها ستقوم بالواجب انصاعت مرحبة بهذا العرض فهي بحاجة لاستنشاق الهواء النظيف بعيدا عن زفرات الكذب والنفاق وانصرفت

لغرفة أطفالها الساكنين واحتمت بأحضانهم حتى قالت سلمى بعيون واسعة ملئت رجاءا
.. هتباتي معانا يا ماما أنا خاېفة متسيبناش لوحدنا 
فهزت سالي رأسها نافية وقالت بعزم لن يردعه أحد على ظهر الخليقة
.. هتيجوا تباتوا معايا عند تیته مجيدة 
فأشرقت وجوه أطفالها وقالت لهم بعد برهة وهي تحمل بعضا من متاعهم
.. يالا بينا 
وفي طريقهم نحو الخارج قابلت أسامة الذي استوقفها قائلا
.. سالي أنا مش عارف أشكرك إزاي على وقفتك دی
هزت سالي رأسها لتنكر فضلا لم يكن إلا واجبا بالأساس
.. إحنا أهل يا أسامة وهيا كانت زي أمي بالظبط الله يرحمها 
هز أسامة رأسه وهو يكبح دموعه فطرد بعضا من أنفاسه الخشنة وقال راجيا
.. سالي أنا ليا عندك رجاء 
ونظر للصغار المتشبثين بكفوف أمهم فقال مشيرا لأحدى الأركان المنزوية
.. سلیم خد أختك وروح أقعد هناك 
أطاع سلیم رغبة عمه والټفت أسامة مرة أخرى بعد أن ابتعدا الصغار وقال وهو يضع كفه على صدره راجيا
.. خليها عليا المرادي هوا محتاجك بس بيقاوح عشان خاطر الولاد يا سالي 
نظرت له سالي وقالت وهي تقر الحقائق أمامه
.. أنا كنت عارفة أنك هتقول كده بس أنا هقولك على اللي أنا محتجاه ويا ريت تقدره أنا اللي محتاجه أبعد عن أخوك ومراته خصوصا بعد ما بقت حامل واللي محتجاه أكتر منك أنك تخليه يسيب الولاد معايا على الأقل لحد الفترة دي ما تعدي 
فرد أسامة مصعوقا بالخبر الذي لم يتوقعه بالمرة
.. حامل ! أنت متأكدة يا سالي 
أخفضت ناظريها وهي توما برأسها بالإيجاب وقالت ساخرة
.. هيا كانت أكتر من حريصة عشان توصلي الخبر وأكيد حقيقي وعموما خلاص دي صفحة وانطوت 
والټفت لأطفالها المنتظرين لإشارة منها وهمست بأعين أغروقت بالدموع
.. وكفاية ۏجع لحد كدة أنا معملتش اللي أستاهل عليه كل ده 
زم أسامة شفتيه وهز رأسه وهو يقول مؤكدا بحق
.. أنت تستاهلي كل خير يا سالي أنا هخلي السواق يوصلكوا مينفعش تمشي بيهم والدنيا ليل كده لوحدكوا 
فهزت سالي رأسها ورافقها أسامة نحو الخارج حتى تقابلا بوجه آخر لم يتوقعا رؤيته واقتربت صاحبته من أسامة قائلة
.. البقاء لله يا أسامة أنا لسه عارفة والله دلوقت 
تناقلت عيناه من محيا اشري الصادق لمحيا سالي العذب فيبدو أنه مقدرا على رجال تلك العائلة بفقدان النسوة الرائعات اللاتي مروا بحياتهم وقال بحزن
.. البقاء لله وحده یا آشري اتفضلي 
فالتفتت آشرى لسالي وللأطفال وقالت راجية
.. سالي استني متمشيش أنا كنت عوزاكي مش هأخرك 
فهزت سالي برأسها وقالت
.. طب هستناك في العربية 
مضت سالي في طريقها والتفتت آشري نحو أسامة قائلا
.. متأخذنيش يا أسامة أنا معرفش حد من الليدز اللي جوه وبابي دخل صوان الرجالة بس كنت عاوزة أعزي جاسر وزیاد 
تنهد أسامة قائلا
.. هوا جاسر في الصوان جوه هروح أندهه دلوقت لكن زیاد هتلاقيه في أوضة المكتب 
ضوءا طفيفا ينبعث من جانب الحجرة المظلمة والسكون يغلف أركانها فتوقفت برهبة أن تقطع خشوع صوته أثناء تلاوته للقرآن الكريم ومع ذلك شعر بوجودها فالټفت لها رأته بعد غياب أشهر ويبدو كمن كبر عشرون عاما فتقدمت هامسة
.. البقاء لله یا زیاد 
انتصب قائما وتقدم منها بخطوات واثقة وتلقى كفها برحابة صدر قائلا
.. متشكر إنك جيت يا آشري 
فقالت آشري مستنكرة
.. ده واجب عليا يا زياد هز زیاد رأسه پألم وقال مؤكدا
.. طول عمرك صاحبة واجب 
وساد الصمت بينهما وخفقت صدورهم بالكلمات المحتبسة لا صرح هو عن ندم يغتال لياليه ولا صرحت هي عن شوق تأن به أضلعها فقالت في محاولة لجذب أطراف الحوار
.. اختفيت 
هز رأسه بإيجاب وقال مصرحا بذنبه الذي أدمى قلبه
.. استقريت في القاهرة فتحت مشروع کده صغير كافية مع واحد صاحبي معرفة وكنت مشغول شوية الفترة اللي فاتت أول ماعرفت الخبر جیت بس كعادتي متأخر 
فقالت آشري وهي تشد من أزره
.. بس المهم أنك جيت في الآخر 
هز زیاد رأسه بإيجاب
.. لحقت الډفنة بس كان نفسي . 
وصمت واختنقت أنفاسه فهزت آشري رأسها باكية هي الأخرى وجذبته لأحضانها فهو سيظل طفلها الوحيد
.. کله مكتوب ومقدر یا زیاد 
ضحك زیاد من بين دموعه المنهمرة وخفقات صدرة العشوائية الإيقاع رغما عنه وقال وهو يبتعد عنها
.. اسمها مقدر ومكتوب أنا هفضل أعلم فيكي لحد أمتي!
رفعت آشري كفها بلا مبالاة ساخرة
.. مهما تعمل وبعدين ما أنت خلاص سيبتني 
أصابته كلماتها بحړقة بالغة لتزيد أحزانه للضعفين ثم قال مقرا
.. أنت تستاهلي الأحسن مني 
حدقت فيه بقوة من بين دموعها وعيناها تصرخ أنها لا تريد سواه ولكنها بعزة نفس رفعت رأسها بكبرياء وقالت
.. أشوف وشك على خير يا زياد 
خرجت آشري مسرعة لتستوقف مرة أخرى أمام الرجلين فحيت جاسر قائلة
.. البقاء لله يا جاسر شد حيلك 
رد جاسر بصوت هادىء متماسك عكس حالة أخويه المتصدعة بحزن دامي
..

منجلكيش في حاجة وحشة آشري 
فهزت آشري رأسها بتحية وانصرفت نحو السيارة التي تقل سالي والأطفال مما جذب إنتباه جاسر الذي الټفت لأخيه الساكن الجواره وقال
.. هيا سالي أخدت الولاد 
هز أسامة رأسه وقال بعند
.. أيوة هيا طلبت مني أقولك بس ده أمر مفروغ منه مش مستحب يقعدوا في أجواء زي دي 
فانصاع جاسر بعقلانية للأمر وقال
.. کده أفضل فعلا
.. أنا آسفة 
اتسعت عيناها متعجبة واقتربت منها لتربت علي ذراعها وهي تتأمل رأسها المتدلي بذنب
.. آسفة علي إيه آشري 
تنهدت الأخرى الغارقة في بحر من الندم والضياع وما يسحب الهواء من صدرها بحق ذاك الشعور بالإثم
.. أنا اللي شجعتك على الخطوة دي لولا زني كان زمانك معاه 
وأردفت ساخرة وفي الواقع من حالها
.. كنت فاكرة أن الطلاق ده بيس أوف كيك 
لو لم يكن اليوم مأساويا بامتياز ولو لم تكن عاصرت مشاعر وأحاسيس طاحنة مزقتها وأعادت ترتيب أشلائها على نحو جديد وغريب عليها لأطلقت الضحكات المتعالية وسط جنوح الليل ولم تبالي لأعراف ولا لتقاليد اقتربت منها ورفعت رأسها لتواجهها ومزقت ذنبها الفاضل بعناق طاحن ووضعت على وجنتها وسط ذهول بقية معالم وجهها
.. بالعكس ده أنا اللي بشكرك حقيقي ومن كل قلبي أنت أنقذتيني من نفسي 
ولازالت الدهشة تقتات على أنفاس صدرها المتلاحقة
.. أنا ! أنا حاسة إني ضيعتك زيي 
لم تظن أنه قد يأتي اليوم وتتبدل فيه الأدوار ولكن اليوم أضحى أعظم معلم عرفته منذ سنوات اليوم حملت من كانت تحمل لها دوما الحقد والعداء إلي قپرها راضية داعية لها بالخير واليوم أيضا تقف أمام من دفعتها دوما لتدفعها هي بالمقابل
.. أنا مضعتش یا آشري بالعكس أنا لقيت نفسي اللي توهت عنها من زمان أنت اللي دلوقت محتاجة تفصلي بين حالتك وحالتي 
أومأت بالموافقة
.. فعلا زیاد مش جاسر بس أنت حملك أكبر مني ولادك .
ضحكة خاڤتة انفلتت منها ليست ساخرة بقدر ما كانت مريرة
.. هيبقالهم أخ أو أخت المدام حامل كان زماني قاعدة أسمع منها عن تعب الوحم وتقوليلي آسفة 
فاتسعت عينا آشري پذعر وهتفت بإنجليزية خالصة
he is an idiot 
التفتت سالي لتطالع وجوه أطفالها المتعبة التواقة وبشدة للخلود للفراش والنوم وقالت
.. معدتش تفرق أنا هروح إبقي طمنيني عليكي سلام
رفعت كفها لتودعها وقد اطمأن قلبها أنها لم تكن مذنبة بحقها أنها لم تدفعها دون قصد لتعيش تلك المرارة التي تذوقتها مؤخرا ولم تدري أنها كالعلقم لإختبار كسر أقوى ما يكون على ظهر المرأة وبالأخص عندما تفقد أبنائها فالكسر يكون مضاعفا 
ودعت درية آخر النسوة اللاتي كن يتسامرن حتى ظهور السائق الخاص بإبتسامة صفراء فيما كان رنين هاتفها يتصاعد إلحاح مزر فأخرجته من حقيبتها متأففة لتجيب بصوت جاهدت لتجعله لطيفا قدر الإمكان
.. أيوه يا بابا أنا خلصت نص ساعة وأكون في البيت 
رد والدها منفعلا
.. متتحرکیش من غير طارق هوا جايلك في السكة 
اشتعلت النيران في عروقها فأبيها أصبح يفرضه فرضا بين أدق خطوط حياتها اليومية وبالتالي أصبح الرسم الذي كانت تتعامل معه سابقا شاذا غير مألوف لعيناها
.. يا بابا مکنش له لزوم تتصل بيه تكلمه يجي 
فقال الأب مدافعا بمكر
.. یعني أسيبك تيجي لوحدك في أنصاص الليالي 
نظرت درية مرة ثانية لساعة معصمها وقالت وهي تجز على أسنانها الأمامية بغيظ
.. الساعة عشرة إلا ربع 
تنصل والدها سريعا من التبريرات التي لا طائل منها وقال
.. خلاص اللي حصل حصل وهوا جاي استنيه ميصحش الراجل ياخد المشوار على الفاضي 
وما أن أنهى إتصاله حتى رن هاتفها مرة أخرى فتمتمت درية بغيظ
.. طبعا ما أنت كمان لازم تديله نمرة تليفوني
خرجت درية للحديقة الواسعة ولمحت أضواء سيارته تشق عتمتها وفيما كانت تتجه نحوها سمعت إسمها يتردد خلفها فالتفتت له ولاحظت إقترابه العابس نحوها قائلا
.. أنا كلفت عم عيد السواق يوصلك أنت ومدام هدی 
ولكن بدلا من أن تتعالی موجاتها الصوتية الرقيقة بإعتذار تصاعدت نغمة صوته الخشنة بتحية المساء مقاطعا
.. مساء الخير يا درية 
التفتت أسامة ليطالع الرجل الفارع الطول والمرتسمة على وجهه إبتسامة مضيئة خصها فقط لدرية بشيء من الحيرة ردت درية تحية المساء بخفوت قائلة لأسامة
.. مافيش داعي سيادة العقيد هيوصلني متشكرة 
وعند ذكره مد يده مصافحا أسامة معرفا بنفسه
.. عقيد طارق الأسمر خطيب مدام درية 
وعندما لمح الذعر المرتسم بعيناها قال مصححا
.. أقصد بإعتبار ما سيكون 
تقبل أسامة مصافحته بإقتضاب وعيناه لا تفارق درية التي هربت بأنظارها بعيدا وداخلها فعليا تخطى مرحلة الغليان وسارت إلى جوار طارق بعدما تمتمت بوداع وشبه کلمات تقبلها أسامة شاكرا لجهدها في تلك الليلة العصيبة وظلت طيلة الطريق صامتة فقط لأنها تدرك جيدا أن الكلمات ستكلفها إڼفجارا مأساوي النتائج حتى وصلا للشارع الذي تقطنه وتوقف بسيارته أمام العقار الذي تسكنه فتمتمت بتحية لتنصرف ولكنه أستوقفها قائلا بنبرة

إعتذار
.. أنا آسف إن كنت دايقتك لكن .
فالتفتت له وقد حان موعد الإڼفجار بتوقيت درية المسائي بعد مهازل تلك الليلة التي يبدو أنها غير منتهية
.. اللي حضرتك يا سيادة العقيد صرحتله بخبر الخطوبة واللي أنا معرفش عنها حاجه ده يبقى رئيسي في العمل حضرتك فاهم ده معناه إيه
هز رأسه مذعنا وقال راجيا
.. درية أنا بقالي كتير بحاول أقرب منك وآخر مرة كنا في المزرعة سوا أظن إني وضحت رغبتي في القرب ده ويكون بشكل رسمي 
همست غاضبة
.. وأظن إني وضحت إني ما بفكرش في الارتباط نهائي 
فاعترض طارق
.. لكن والدك . 
قاطعته بحزم
.. والدي ! أعتقد إني أنا صاحبة القرار وأنا مش لسه عيلة صغيرة
اقترب
31  32  33 

انت في الصفحة 32 من 57 صفحات