لعبه بلا نهايه بقلم يسرا مسعد
أنك بتسأل في أمر شخصي جدا!
هز رأسه وقال بإصرار وعيناه مركزة على تورد وجنتيها الخفيف
.. عارف بس على نحو ما حاسس أنه حقي متسأليش إزاي
فضحكت رغما عنها وقالت
.. أنت صريح أوي
هز رأسه متفقا معها
.. مش بيقولو الصراحة راحة
وبلطف أردف
.. مجاوبتيش عن سؤالي
فأجابته ببساطة
.. بالظبط 91 يوم
فلمعت عيناه وهو يكرر بهمس ورائها
هزت رأسها صامتة وساد الصمت بينهما لوهلة حتى قام فجأة وقال قبل أن ينصرف
.. عشان كده النهاردة وشك باين عليه أنفاس الحرية
عبست متعجبة ولم تفهم ماذا يقصد أو فهمت ولكنها لم تصدقه هل تحررت بالفعل من أسر جاسر سليم هل باتت تطير حرة في سماء الكون بعيدا عن فلكه! ببساطة لا يوجد تعريف آخر على ظهيرة الأرض سواه فهذا هو جاسر سليم يدفن أمه بالأمس القريب وفي اليوم التالي يظهر بكامل عنفوانه حلة أنيقة قاتمة ذقن حليق عطر يصيب المحيطين بالدوار وخطوات واثقة كأنما تخضع حدود جاذبية الأرض لقوانينه الخاصة راقبته درية وهو يتقدم منها ملقيا عليها بتحية الصباح بنبرة صوته الهادئة وأتبعها بأمر حاسم
هزت درية رأسها وشرعت بالفعل في أداء ماطلبه منها وماكانت سوی ساعة من الزمن حتى كان يجلس برفقه أخيه والمحامي الذي كان يقلب أوراق الوصية التي تركتها الراحلة متحيرا وإمارات العجب مرسومة بوضوح على وجهه حتى قال
.. أنتوا یعني موافقين على الوصية بالشكل ده إحنا ممكن نطعن فيها لأنها مش مستوفيه الشروط القانونية
.. الوصية هتتنفذ بحذافيرها أنا جايبك عشان تبدأ في الإجراءات
نظر له مجدي ومن ثم لأسامة الساكن والذي كان يبدو أنه متفقا مع أخيه فقال مرة أخيرة
.. وزیاد موافق هوا كمان
فرد أسامة مؤكدا
.. أيوا معندوش إعتراض
حمل المحامي الأوراق وقال بعملية وهو يهم بالإنصراف
خرج مجدي مسرعا وهم أسامة بالإنصراف وراءه ولكن جاسر استوقفه قائلا
.. مکنش قادر يستنی كام يوم كمان
تنهد أسامة والټفت له مؤنبا
.. زیاد بیمر بوقت صعب يمكن أصعب مننا وأنت الوحيد اللي تقدر ترجعه هو المتهم الأول والأخير كان حريا بهم القول فتش عن جاسر سليم وليس عن المرأة كما قال نابليون
.. إيه ده
فرد بإقتضاب
.. افتحه
تطلع أسامة للأوراق التي تثبت ملكية زياد لشركته وعقد البيع الذي خطته داليا بتوقيعها لجاسر مباشرة ومن ثم بتاريخ لاحق عقد بيع من جاسر لصالح زیاد فغمغم أسامة خجلا
.. کنت مفكر أنك . .
قاطعه جاسر غاضبا
اقترب
منه أسامة وأعاد له المظروف
.. خليه معاك كده ولا كده أنا حاسس أنه ماشي في طريق ومش هيغير مساره دلوقتي
رفض جاسر عرضه وقال مصرا
.. خليه معاك أنت أنت اللي هتدهوله وقت ما تحس أن مساره أتعدل
وهمس وهو يعود للوراء متنهدا بعتب
.. أنا فيا اللي مكفيني
جلس أسامة وأنظاره مرتكزة على وجه أخيه يحاول إستنباط مايدور في عقله من أفكار معقدة
.. سوسن الله يرحمها عقدتهالك خمسة مليون لحساب سالي مش مبلغ هين
رمقه جاسر بغيظ
.. ده الشماتة هتطق مع عينك يا أخي
ضحك أسامة بصخب قائلا
.. قال يعني أنت هتغلب بكرة تلاقي طريقة تعيد بيها الوصال هيا يعني هتعرف تعمل حاجة بالفلوس دي كلها وأقطع دراعي إن مكنتش ترفضهم
تألقت أنظاره وكأنما بعثت النشوة من جديد بخلاياه ودبت الحماسة بأوصاله فمهما تقطعت الخيوط بينهما ومهما صارت لعبته بعيدة عنه ومهما شعر بیدیه عاجزتين عن الإمساك بها فستتجدد الخيوط بينهما تلقائيا وللقدر تدابیره فغدا تعود لعبته بمكمن بين أصابعه وتلك المرة سيحرص على جذب الخيوط وشدها بقوة فلن تبرح مكانها بين أنامله ذلك قدرها المرسوم منذ البداية فهي دائما وأبدا لعبة عاشق أنظاره قاتمة سوداء كحلته خرج ولم يبرح مكانه من أمام مكتبها المستطيل فرفعت أنظارها الحذرة نحوه وقالت ببرود
.. خیر یا باشمهندس!
فرد ببرود يماثلها
.. من هنا ورايح إطبعي نسخة زيادة من التقارير المالية للمجموعة تعجبت وقالت
.. ليه
فقال ساخرا
.. يعني علي إعتبار ما سيكون
رفعت رأسها بغتة واحمرت عيناها وارتسمت ملامح الغيظ على وجهها وقالت
.. ويا ترى إيه اللي سيكون
اقترب منها وبفحيح صوته أجاب
.. ده اللي مستني أعرفه منك يادرية
قامت وانتصبت قامتها نحوه بتحدي
.. شؤوني الشخصية مش من حق أي حد يحاسبني عليها
اكفهر وجهه بطوفان ڠضب وقال بصوت جعلها تهتز في وقفتها رغم أنه لم يكن مرتفعا بل بالكاد مسموعا
.. إلا أنا...
ماذا لو سارت معطيات الحياة حسب ما اتفق هوانا ماذا لو لم نبذل جهدا مضنيا للحصول على ما هو حقنا بالأساس لكنا إذ نتحدث عن الجنة وما كان لحديثنا ركنا على أرض الله الواسعة ولكنها حتى الآن شاكرة رغم أنها منذ قليل كانت بمكتب محامية مختصة بالأسرة والڼزاع القضائي بشؤونها والتي أخبرتها بوضوح أنه لا مجال لاحتفاظها بسليم في حضانتها فهي ليست أمه ربما من تكون ربت وترعرع الصغير في كنفها إلا أن حقها في الإحتفاظ به معډوم الطفل لأبيه والطفلة لها حتى أجل معلوم وإن شائت تقدمت لها بدعوى ضم لحضانتها ولكنها بذلك تكون قد فرقت طفليها وما ذنبهما وأمل سخيف يتضاءل داخلها أن يكون جاسر قد تنازل عن الطفلين لها لقد مرت ثلاثة أيام منذ عودتها ليلا بالصغار وتفاجئت صباح يوم أمس بالسائق الخاص به ينتظرها أسفل البناية في تمام السابعة كي يقلها هي والأبناء إلي مدرستهم بناءا على أوامر مرؤوسه الذي أمره أيضا بإصطحابهم منها وأن يكون رهن إشارة منها في أي وقت من ساعات النهار حاملا معه ملابس جديدة لهم وبعض الألعاب الثمينة.
أفاقت من سحابة أفكارها أمام باب المركز ألقت عليها موظفة الإستقبال التحية كان بإنتظارها حالة واحدة لطفلة في السادسة من عمرها ولغرابة الأمر وجدت أن الأب من يصطحبها وعلمت منه سرا پوفاة الأم منذ ثلاث سنوات تأثرت كثيرا لحال الطفلة ورغم ذلك نظرت للأب بشيء من الإجلال فبعد فراق زوجته لم يسعی لزواج من أخرى حرصا منه على مشاعر صغيرته فمر بخاطرها ذاك الذي تزوج بأخرى وعلى وشك إنجاب آخر منها يتجرأ ويمنع عنها طفليها ودون أن تدري اشتعلت ڼار الڠضب داخلها بعد انصراف الطفلة وجلست تغلي وتزبد لابد لها أن تواجهه كيف لها أن تترك صغارها في رعاية تلك المتبجحة بحملها في عزاء حماتها وأن تأمن عليهم في غيابه هو عن القصر حتى ساعات الليل المتأخرة بل والأدهی کیف لها أن تخطو بزيارات يومية لأطفالها بعد رحيل صاحبة القصر عنه!
وضعت كفيها على وجهها وهي ټغرق في بحور اليأس وقلة الحيلة وداخلها مشتعل بحنق غاضب ودت لو تكسر رقبته وبعدها تبكي إلى جوارها وانتبهت بعد قليل لتواجد کریم داخل الغرفة يراقبها بشيء من التسلية فأجفلت وعادت للوراء هاتفة به
.. خضتني على فكرة
اقترب منها ضاحكا
.. إيه نهاية العالم قالو كمان ساعة!
زفرت بنفس اليأس
.. ياريت كان زمان الواحد ارتاح
عقد حاجبيه وجلس بالمقعد المقابل لها متمتما
.. ياساتر يارب طب على كدة بقي نلحق نحتفل
رفعت رأسها له دهشة
.. نحتفل بإيه
وضع أمامها كوبان من العصير الطازج وطبق بلاستيكي يحوی قطعة حلوى شهية تقدر بمئات السعرات الحرارية وشوکتان وقال ببساطة
.. بيكي ودى حاجة بسيطة تشجعك تكملي طريقك ومتتحججيش تاني بالولاد
ضحكت ببلاهة وهي فعليا لا تفهم مغزی کلماته فأردف مفسرا
.. أنت مش حاسة بالإنجاز اللي عملتيه ولا إيه مواظبة على الرياضة والحركة والأكل الصحي وخسيتي
ولسه عندك طاقة وعزيمة أنت لازم تهني روحك وتكافئيها
ضحكت سالي قائلة
.. والله أنت رايق يا دكتور
ابتسم لها
.. وأنت لما تشيلي الهم حاجة هتتحل
هزت رأسها مقرة نعم فلن يجدي هذا نفعا مع ما تواجهه بل عليها التمتع بطاقة إيجابية كي تقف وتطالب بحقها وحق أطفالها في حياة مستقرة فهز کریم رأسه وشرع في تقاسم قطعة الحلوى وقال بفم ممتلىء متفکها
.. شوفتي معايا حق إزای
دفعت سالي بطبق الحلوى وقالت وهي تبتسم له بخجل
.. أنا هشرب العصير بس ومتشكرة على اللفتة الطيبة دي منك
لمعت عينا کریم وترك الحلوى وقال فجأة
.. أول مرة أخد بالي أن عندك غمازة في خدك اليمين بس
وضعت يدها لا تلقائيا على خدها الأيمن وقالت هامسة بحرج
.. هيا أصلا مش ملحوظة
كانت سالي مدركة أنها تظهر في أوقات وفترات متباعدة وقليل من يلحظها وبعمر زيجتها الكامل لم يلحظها جاسر ولا مرة فهز رأسه رافضا
.. بس دي حاجة مميزة فيكي
وكان رنين الهاتف من أنقذها من طوفان دماء الخجل التي تواردت بغير حساب لوجنتيها وبخاصة اليمني فرفع کریم يده لیستأذن بالخروج تاركا لها حرية التحدث حاملا معه مشروبه فقط تناولت سالي الهاتف وعبست فالرقم أمامها غير مسجل وردت وهي تخشى سماع أنباء سيئة عن أطفالها حتى أتاها صوت رجولي معرفا بنفسه
.. آلو مدام سالي أنا مجدي المحامي مش عارف إذا كنت تفتكريني ولا لاء أنا محامي عائلة سليم يا فندم
تنفست سالي الصعداء وردت
.. آه افتكرت حضرتك أهلا وسهلا خیر
رد الرجل بلطف
.. كل خیر يا تری حضرتك تقدري تجيلي المكتب النهاردة لو مش في استطاعتك مليني عنوان منزلك وأنا أجيلك في الوقت المناسب
تقافزت دقات قلبها پخوف ممزوج بالأمل
.. حضرتك عاوزني بخصوص إيه
تنحنح الرجل بحرج
.. للأسف مش هينفع نتناقش في التليفون فقالت سالي على عجالة
.. أوكية أنا ححود على حضرتك في المكتب الساعة 3 مناسب
رد الرجل بالإيجاب وأنهت سالي المحادثة وداخلها يحدوها بالأمل أن يكون جاسر قد تراجع عن قراره بالإحتفاظ بالصغار بعد رحيل الجدة
منذ يومان والصداع يكاد يفتك برأسه ولايجد سببا له ولا علاج قد يداويه فقرر المرور عليها بالمشفى فهو لم يتحدث معها منذ فترة على إية حال ولم تعاود هي الإتصال به وهو لا يدري أتلك حجته في الوصول إليها تلك المرة بعد إنقطاع ولماذا هو راغب في إعادة الوصل بالأساس ولكنه لم يغرق نفسه بالتفكيير فهو يعاني من الصداع وتلك كانت بالفعل حجته كانت غاضبة ومع ذلك تعاملت معه ببرود منقطع النظير وهي ترفض الكشف عليه قائلة
.. حضرتك محتاج لإختصاص باطنة أو مخ وأعصاب ده مش من إختصاصي
زم شفتيه مستاءا
.. حضرتك
رفعت أنظارها