الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

لعبه بلا نهايه بقلم يسرا مسعد

انت في الصفحة 33 من 57 صفحات

موقع أيام نيوز

منها وعيناه مركزة على ملامح وجهها الغاضبة وقال بإفتتان
.. أكيد أنتي صاحبة القرار لكن أنا طمعان أنك تغيري رأيك وتديني فرصة 
فتحت باب السيارة وقالت قبل أن تنصرف
.. كان ممكن تطلب قبل ما تصرح بحاجة بإعتبار ما سيكون وعموما أنا متشكرة على تعبك 
ترجل هو الآخر واقترب منها بخطوات مسرعة وقال بإنفعال ملح
.. أنا آسف وبعتذر منك حقيقي لكن أرجو أنك فعليا تديني فرصة لينا إحنا الأتنين 
نظرت حولها بتوتر فالوقت قد تأخر وليس من المناسب أن تطيل الوقوف برفقته فهزت رأسها وانصرفت مسرعة نحو الدرجات التصعد للأعلى 
حد الإنهاك حد الألم حد الفقد حد الوحدة حد البعد رغم القرب حد الذنب رغم الكبرياء حد الإشتياق حد الكرامة حد النهاية حد البداية حد المجهول حد الأمل حد الظلام الذي يقبع به منذ ساعة بعد إنصراف الجمع الغفير يبكي بصمت دموع قهرت عزيمته وانسابت لتعلن معها حد الضعف وبسنوات عمره التي تخطت الأربعون ضعف يختبره ولأول مرة ضعف يجده ساکنا بأضلعه أليفا ترتاح له نفسه أليس من حقه أن يشعر ولو لمرة بالحرية في كونه ضعيفا لقد رحلت من كانت ترفض ضعفه تحاربه قبل أن يعد هوا نفسه للحرب تركته رغم أنها تركت له دوما مؤشرات بقرب الرحيل ربما منذ سنوات ولكنه كان عنيدا لدرجة ظن معها أنها لن ترحل أبدا هل كان عنیدا لا بل كان غبيآ كما نعتته مؤخرا رحلت ورحل معها اليوم الأخير ليبدأ من جديد وليست له أي رغبة في تلك بداية خطوات تسحق الحصى من خلفه ولم يحتاج أن يلتفت ليعرف هوية صاحبها فقال
.. قريت كل في الأظرف وأديت أخوك بتاعه
جلس وافترش الأرض إلي جواره
.. أخده بس أظن مش هيقراه دلوقتي 
فالټفت له جاسر
.. بس لازم علي الأقل يعرف محتوى الباقي ده حقه 
نظر له أسامة وشعور بالشفقة مثير للإشمئزاز والحنق داخله يتصاعد نحوه رغم غضبه الشديد منه مشاعر مختلطة ارتسمت على معالم وجهه فڤضحت ما هو مختبأ بين حنايا صدره حتى قال جاسر منزعجا
.. مالك أنت مفكر أني قولتلها تعمل كده
هز رأسه نافيا وبشدة
.. أكيد لاء لأنه ده مش في مصلحتك 
تنهد وقام فقد سأم الجلوس والتراخي
.. لا مصلحتي ولا غير ولا هيفرق معايا 
فرفع أسامة قامته هو الآخر وقال مؤنبا بغيظ
.. واضح ولا يفرق معاك حتى أن يكونلك من كل ست مرت في حياتك ابن ولا بنت يشيلوا عاهات تفكيرك 
حد الڠضب ومشاعر أخري على الجانب الموازي خېانة وكشف وتوقيت سيء والأدهی تورط
.. وأنت عرفت منين 
والضحكة الساخرة دقت أجراس الليل والظلام ورغم أنف التقاليد كانت من نصيبه
.. هوا أنا بس اللي عرفت!
فكان حد الإنتقام وذراعها القابع بين قبضته پصرخ ألما ولسانها يصطرخ
.. جاسر أنت اټجننت
وهسیس صوته المنبعث من بين إصطكاك أسنانه الدامي أثار ذعرها
.. أنت إزاي تجرؤي تقلبي عزا أمي لصوان تهاني أنت مبتحسيش 
امتقع وجهها وغادرت الډماء ولا رجعة قريبة لها على مايبدو
.. بيبي أنا مقصدتش
.. أخرسي أنا مش بيبي أنا جاسر سليم وإن كنت نسيتي مين هوا جاسر سليم يبقي أنت محتاجة اللي يفكرك 
هل ظنت أنها سترى الشيطان يوما رؤى العين بوجهه المتجهم هل ظنت أنها ستكون يوما على مقربة من أبواب الچحيم بأنفاسه الملتهبة هل ظنت أنها ستفقد أنفاسها رغم أن كل ما يحتبسه بين أنامله غليظة الملمس والقوة ذراعها الأيسر والسبب نظرة عيناه وفقط
.. أنا آسفة حقيقي أنا آسفة صدقني أنا آسفة 
همست راجية فجل ما ترجوه هو النجاة خشیت وإن علا صوتها فستفر شیاطین غضبه من معقلها ويقبض على أنفاسها لأنها تجرأت فقط وارتفعت حد الكراهية
.. مافيش خروج من باب البيت وهتحترمي ذكرى أمي وسيرة الحمل ده متجيش سيرته على لسانك 
وبذراعها السليم احتضنت الأيسر مثيله ونظرة ړعب خالصة تلقي بظلالها على عيناها فلقد عاد بضعة خطوات للخلف وبصوته الساخر المتوعد تابع حديثه
.. أنت مفكرة إنك كده بتربطيني غيرك مشيت وڠصب عنها سابته لأنه ببساطه أصبح يخصني وأنا اللي يخصني مبيتلویش دراعي بيه 
تحشرجت أنفاسها وعقلها يرفض أنه يلخص أمنيتها بكيونة الأمومة

لطفل يكن هو والده لمجرد ملكية لا ڼزاع عليها لقرار بالتحفظ والأسر لعقاپ إن أراده يوما كما فعل بسابقتها
.. ده ابننا على فكرة مش ليك لوحدك 
والرد كان فوريا حد الإقرار ولا مجال للڼزاع.. بيتهيألك صلبي وملكي 
ملكية لا ڼزاع عليها ملكية لن يفرط فيها فالنساء بحياته وضع مؤقت ومن تردن منهن الرحيل يمنحها حريتها وفورا ولكن من تسري بعروقه الډماء فلا مجال لرحيله إلا بإرادة الله عز وجل هو ليس بظالم وليس بذلك المتجبر بل هو دیکتاتور بنزعة ديموقراطية خالصة قد يظنها البعض تهاونا وتخاذلا ولكنه فقط يدرك حدود ملكيته أتظن نفسها امتلكته بطفل لتصرح بحملها علنا حتي يعرف القاصي والداني أتظن نفسها صاحبة القرار ألا تدري أنه هو الآمر والناهي!
تعويضا مناسبا هكذا كانت تفكر فأنفاسهم الهادئة المطمئنة بالقرب من صدرها كانت أكثر من تعویض مناسب لما مرت به منذ بداية اليوم مدت ذراعها لتحتضنهم أكثر وأكثر فكم اشتاقت لدفئهم لا تريد التفكير في الغد وما يليه وتبعاته الغامضة التي كانت ترهق لياليها سابقا هي الآن تشدو فقط للراحة والنوم بأحضانهم ففيها سكينتها ورغم ذلك شهد الفراش تقلب جنباتها بغير راحة حتى سمعت آذان الفجر يشق سكون الليل فقامت لتوضأ وتفرغ ما في جعبة قلبها في سجود مطول وبكاء لا تدري مصدره ولا سببه ولكنها شعرت بالراحة في طرد الدموع خارج مقلة عيناها وارتاح قلبها بالتخلص من ذلك العبأ وفي الصباح استيقظت متأخرة وبالكاد تستطيع اللحاق بموعد عملها وسمعت أصواتهم الضاحكة برفقة أمها فخرجت من غرفتها وعلى وجهها ترتسم إبتسامتها المشرقة وارتمى الصغار بأحضانها وهو يلقي عليها بتحية الصباح وسلمی تقول بإنفعال ضاحك
.. المدرسة راحت علينا 
ابتسمت لها سالي وقالت
.. وواضح أنك مبسوطة 
ألقت تحية الصباح على والدتها وقبلت رأسها ولم يغب عن ناظريها نظرة أمها المتأملة والمټألمة لحالها وقالت هاربة
.. أنا يادوب ألحق الشغل 
فعبست مجيدة
.. ما تاخدي أجازة وريحي يابنتي النهاردة واقعدي مع ولادك 
هزت رأسها بإعتراض
.. مش هينفع يا ماما أنا غبت إمبارح ممكن بكرة أو بعده بس ححاول أرجع بدري متقلقيش 
تناولت فطورها برفقة أسرتها الصغيرة سريعا وارتدت ملابس الحداد کالأمس دون تفكيير فقط لم تستطع الخروج من المنزل بملابسها المعتادة 
قطعة من الورق هذا ما تبقى له بحوزته کلمات تحمل له ذکری غالية ووصية ثمينة تعوضه بجزء يسير من فقدان ثروته ولكنها فشلت في تعويض روحه التي تشعر بالخواء دون أنفاسها لم يكن قريبا منها ولكن كان يكفيه مجرد المعرفة بأنها موجودة في إنتظاره بأي وقت واليوم ماعادت بإنتظاره عودته كما إعتاد لقد رحلت ورحل معها شعوره بالاطمئنان لقربها سمع طرقا على الباب فرفع رأسه ومسح عيناه بسرعة وطالع وجه أخيه المتجهم الذي ما أن رآه مرتديا حلته حتى قال
.. أنت رايح على فين على الصبح كده 
فرد بإقتضاب
.. راجع القاهرة 
فزجره أسامة ساخرا
.. مستعجل ليه 
وراك إيه هناك أهم من اللي هنا 
تنهد زياد بتعب وقال
.. معدتش تفرق يا أسامة صدقني عموما أنت معاك أكيد نص من الوصية ورقم حسابي في البنك أنت عارفه ولو جاسر مش عاجباه الوصية فأنا هاخد نصيبي کفایه 
قبض أسامة على ذراعه وقال غاضبا
.. أنت مش كل موقف تتحط فيه تهرب منه اتحمل مسئوليتك للآخر أنا وأخوك مش مسئولين عنك 
فرد زیاد پغضب أكبر
.. أنت بتسمي ثقتي فيكوا تنصل من المسئولية يا أسامة 
فعقد أسامة حاجبيه غاضبا
.. أقف وواجهه أطلب حقك دي شركتك 
فهم زیاد ما كان يرمي له أخيه فقال مستهزءا
.. وفكرك هيدهالي وبعدين ملعۏن الفلوس اللي هتخسرنا بعض خليهاله أنا الحمد لله ماشي في حياتي كويس ومش ناقصني حاجة 
هز أسامة رأسه وقال معنفا
.. وأنت فاكر أخوك طمعان في فلوسك هوا عاوز يحس أنك خاېف على أملاكك واتعلمت الدرس
مضى نحو الطاولة ورفع الظرف الذي خطته أمه بيدها وقال بأعين دامعة وأنفاس مخټنقة
.. صدقني أنا اتعلمت حاجات كتير أوي خصوصا بعد ده ده أعظم درس 
نكس أسامة رأسه وتمتم معتذرا
.. أنا مش قصدي 
قاطعه زیاد بصوت هادیء
.. أنا عارف أنك پتخاف عليا علينا بس اطمن أنا كويس وراجع إن شاء الله قريب 
غيابها المفاجيء بالأمس بالإضافة لهيئتها المتشحة بالسواد صباحا أثار قلقه ولم يستطع منع نفسه من إستراق السمع لهمهمات العاملين حولها حتى اقتنص فرصته بالإقتراب عندما كانت بمفردها في العيادة طرق الباب بخفه وابتسم لها على حذر وهو يقترب
.. البقاء لله 
هزت رأسها وقالت بأسف
.. أنا آسفه على غيابي المفاجيء إمبارح والنهاردة كمان جیت متأخر 
جلس وعيناه لا تحيد عنها
.. ميهمكيش أنا عرفت أنها كانت حماتك أأقصد اللي كانت 
هزت رأسها متفهمة وقالت لترفع عنه الحرج
.. آه الله يرحمها 
قال بفضول لم يستطع كبحه
.. هيا كانت مقربة منك 
إرتسمت الحيرة على وجهها ولم تدر

لوهلة ما الإجابة هل كانت يوما مقربة منها حسنا إذا كان الشجار اليومي والمشاكل التي كانت لا تحصى ولا تعد تقاربا فنعم هي مقربة وللغاية كان ينظر إليها محدقا بكل خجلاتها والانفعالات المتابينة التي تمر على وجهها مرور الكرام تباعا حتى قال
.. للدرجادي الإجابة صعبة!
ضحكت ساخرة رغما عنها وقالت وهي تشعر بالحزن لأنها وأخيرا تلقنت الدرس على نحو جيد ومؤسف في الوقت ذاته
.. یعني أحيانا بتعيش مع ناس عمرك كله ماتحسش بوجودهم أو ساعات بتتمنی تبعد وساعة الفراق تحس أن العشرة كانت حاجة مهمة أوي 
هز رأسه متفقا معها وزم شفتيه مستاءا
.. الفراق بيعيد ترتيب حساباتك بيخليكي تشوفي اللي مكونتیش عاوزه تشوفيه قبل كده 
صمتت لبرهة بالفعل لقد أعادت هي ترتيب حياتها بعد الفراق أبصرت تغيرات جذرية أطاحت بما كان في مأمن ومسكن ومستقر أطفالها في المقام الأول ولكن هل خسرتهم بالفراق لم تشعر بخسارتهم ولكنها باتت تشعر الآن وعلى نحو يومي بقيمتها بحياتهم بقيمتها هي في الحياة ولكن مع ذلك تتوق لمعرفة قيمتها بحياته هل يفتقدها سخرت من نفسها وبشدة عند تلك الخاطرة فالزوجة المصونة تحمل بأحشائها بذرة تنمو فأي إفتقاد يشعر به لقد محيت من حياته وشرع هو بإستئناف مسيرته على أكمل وجه كل ذلك وملامحها باتت مدروسه بإتقان بين ثنايا عقل کریم الذي أصبح متعلقا دون يدري بخباياها حتى قال دون مورابة
.. سالي أنت انفصلت عن زوجك إمتی 
إنتشلها من بحور حيرة أفكارها لترتسم الدهشة على ملامحها بل والصدمة إذ أنه لم يسأل فقط عن أمر شخصي يخصها بل رفع أيضا الألقاب الرسمية بينهما ونادها بإسمها ومع ذلك لم تتمالك لسانها الصريح وأفصحت عن ما يدور بخاطرها
.. مش شايف
32  33  34 

انت في الصفحة 33 من 57 صفحات