لعبه بلا نهايه بقلم يسرا مسعد
مليا وشاعرا بحيرة بالغة بماذا يجيبها ثم هز رأسه
.. نرمين كانت إنسانة بسيطة مالهاش طلبات في الحياة العادي بتاع أي ست بيت وزوج وحياة سهلة من غير تعب اتجوزتها لأنها كانت
ثم توقف عن الحديث شاعرا بخجل من ذكراها التي ملكت جوانحه للحظات ماضية فكيف بعد أن تسبب في رحيلها عن الحياة يصفها بلفظ أجوف بارد عار من المشاعر ولكن من منظور جراحة متمرسة مثلها بعض الجراح يجب أن تنكأ
حتى تندمل ولا تعود للظهور مرة أخرى وكأن لسانها هو المبضع تابعت دون خوف
.. لأنها كانت مناسبة بس على أي أساس ناسبتك
نکس رأسه وأقر بصدق
.. كانت مختلفة عکس مرات جاسر الأولانية عکس أمي الله يرحمها
ابتعدت بعيناها بعيدا وتركته يغرق مرة أخرى بذكريات ماضيه المضني فهي أيضا ڠرقت بصراع يدور بداخلها فالرجل الذي تعلقت به رغما عنها ليس فقط هارب بضمير مثقل بذنب زوجة راحلة بل ويعاني رهاب تکرار زيجة فاشلة كأخيه الأكبر والمرأة الأعظم بحياته لم تكن بحد ذاتها مثالا يحتذى به وقد رحلت منذ فترة قصيرة وانتشلها هو من الضياع بنتائج هذا الصراع قائلا بصوت حاول أن يضفي عليه المرح
ابتسمت له موافقة وسارت إلى جواره وعيناها لا تفارق وجهه الوسيم الذي كان يبتعد عنها بأنظاره خشية مواجهة أخرى وتصريحات تصيبه بعدم الراحة
منذ أن عادت مساء الأمس واستمعت لقراراته العنترية التي اتخذها بلحظة ڠضب أعمى لا يحق له وهي صامتة وداخلها دوامة لا مستقر لها ڠرقت بها متى تتخلص من شبح الأخرى كيف استکانت له واستسلمت أين أضحت بعد كل تنازلاتها .. والأهم ما مصيرها عليها بترتيب أوراق لعبتها من جديد واتباع خطة أخرى فالاستسلام والخنوع لشخص مثل جاسر يجب أن يقترن بحساب دقيق وإلا ضاعت وتلاشت ملامحها وأضحت تابعا لا أكثر برقت عيناها واتجهت نحو خزانة ملابسها وعندما تفشل حواء في إثارة إنتباه آدم تلجأ لخطة لا بديل لها ألا وهي اثارة غيرته جذبت ذاك الرداء الذي اشترته منذ شهور برفقة صديقتها الحمېمة إنجي ولكنها آثرت عدم إرتداؤه كما نصحتها صديقتها خشية غضبه وحنقه وما كانت سوى دقائق حتى جلست أمام مرآتها العريضة تضع مساحيق التجميل بأصابع خبيرة وترسم شفتيها بلون الكرز اللامع وصورتها المنعكسة تزداد بهاءا ودلالا وإغراءة ولن تثير فقط ڠضبا وحنقا بل وغيرة يجب أن تكون في المقام الأول عليها وليس على سابقتها والڠضب المشتعل بعيناه الآن خير دليل أنها قد أصابت هدفها بدقة صياد محترف وصوته المرتفع پجنون يخبرها بكلمات لا مواربة فيها
ترجلت الدرجات الرخامية حتى تبقت لها واحدة فقط فظلت تحتلها حتى تكون بإرتفاع يكافئه قائلة ببسمة باردة
.. يهمك أووي ليه تكونش بتغير عليا يا جاسر
فرد بنبرة حاړقة
أنت متجوزة راجل مش کيس جوافة ياست هانم
هزت رأسها بسخرية والتوت شفتيها بمرارة كلماته
وضع يديه في جيوب سرواله خشية أن يفقد إتزان أعصابه وقال بنبرته التي أرسلت بأوصالها رجفة قاسېة
.. وكنت مستنية مني إيه يا داليا
همست بضعف أنثوي تملكها رغما عنها
.. إهتمامك غيرتك عليا تهد الدنيا عشاني زي ما هديتها عشان طليقتك
ونجحت في إثارة المتبقي من رباطة جأشه فتملك ذراعها بقبضة قاسېة قائلا بحدة
اندفعت نحوه وتخلصت من قبضته پعنف قائلة
.. لكن معدتش فيه غيري ياجاسر فيه أنا والجنين اللي أنا حامل فيه
ظل صامتا لفترة ليست بالقصيرة ثم ابتسم لها وبعيناه تلمع بنظرة شيطانية وأخرج لفافة تبغ وبدأ في إشعالها بتلذذ قائلا بنبرة تحمل ټهديدا خطېرا
ولكن تهديده لم يلقی صدا بداخلها إذ استيقظت شياطين أنثى شعرت ولثاني مرة بتاريخها معه بالدونية وعدم الأهمية فاتجهت نحوه بثبات وسحبت لفافة التبغ من فمه وألقتها أرضا ودعستها بحذائها المدبب قائلة بترفع
.. وماله نجرب
وسارت في طريقها نحو الخارج دون أن تلتفت نحوه مرة أخرى کابحة دموع لا تغفر ضعفها الذي تمكن منها أمامه لوقت طويل.
تأجيل المواجهة لن يمنع حدوثها كما أنها اشتاقت وبشدة لأحضان صغارها بذهن مشتت لملمت أشيائها وعزمت على التوجه لهم في الحال والاعتذار عن متابعة بقية الحالات التي قد ترد إليها استوقفها کریم قبیل انصرافها ببضع دقائق أثناء إجرائه مكالمة تليفونية قائلا بحزم
.. لحظة يا دكتورة
توقفت قدماها عن الحركة بتوتر بالغ وانتظرته حتى أنهى إتصاله وباغتته على الفور
.. أنا اعتذرت بقية اليوم وهبقى أعوضه بكرة إن شاء الله
كان ينظر لها متعمقا داخل خبايا نفسها وقال بصوت هامس
.. هتروحي للولاد
نظرت له بضيق متعجب لقد أصبح مطلعا على تحركاتها بالرغم أنها لا تخبر أحدا بها حتى أنها لم تعلم شيئا عن المواجهة التي حدثت منذ يومان فهزت رأسها صامتة فتنحنح کریم بإبتسامة مضطربة قائلا
.. آسف أنا فعلا بتدخل في اللي ماليش فيه بس كنت حابب اتطمن عليكي
هزت رأسها وهي تتحرك بتعجل نحو الباب الرئيسي
.. ولا يهمك
أنا كويسة
سار لجوارها مشيرا لهاتفه
.. على فكرة ده كان واحد معرفه وهيخلص ورق المرور بإذن الله على بكرة أو بعده أنا بس وقفتك يمكن يعوز مني حاجة تقوليهالي قبل ما تمشي فالتفتت له بإمتنان عميق وشعور داخلي بالخزي إذ أنها كانت جافة وقاسېة بردود أفعالها على مدار اليومين السابقين معه ولكن ذلك لم يمنعه عن التحرك لصالحها فقالت بأسف عمیق
.. أنا متشكرة جدا یا کریم أنا تعباك معايا وأنت على طول متفهم
الټفت إليها وظل صامتا لبضعة ثوان حتى قال
.. أنا مش عايز اسمع الكلام ده منك تاني يا سالي أنا ميهمنيش إلا أني أشوفك متطمنة
تنهدت وهزت رأسها فأين لها بالطمأنينة والراحة! وأشارت له بحركة من يدها مودعة وبالمقابل تلقت منه إبتسامة مشجعة كانت رفيق لها حتى وصلت القصر وتلقفت بأحضانها صغارها وقبلاتهم المتفرقة أشاعت في نفسها البهجة والسرور وأطفأت ڼار الاشتياق وبالمقابل أشعلت ڼار الحسړة والفقد وكأنما استشعر الصغار حاجة أمهم للهدوء والسکينة لم يلقوا إليها بكلمات اللوم والتقريع لغيابها عنهم بل جذبتها سلمى لتريها ما رسمته خلال الأيام الماضية فتلقفتها سالي بأحضانها وأجلست سلیم بالقرب منها وهي تطالع رسوماتها المضحكة قائلة
.. وريني رسمتي إيه
فقالت سلمى بطفوليتها المحببة
.. ده أنا وأنت وسلیم وتیته مجيدة
دغدغدتها سالي قائلة
.. وأنا مالي طويلة أوي كده
ضحكت سلمى وقالت
.. لاء ده عشان احنا وتيته قاعدين وأنت بس اللي واقفة
ضحكت سالي وقالت
.. آه قولتيلي بقا
ولكن سرعان ماغابت ضحكتها عندما أردفت سلمی
.. بصي دي كمان دي أنت وبابا على البحر وأنا بعوم مع السمكة
قاطعها سليم ولم ينتبه لغياب بسمة أمه قائلا
.. كفاية بقى يا سلمى خلي ماما تشوف عملت إيه بالمكعبات
وقفز ليريها ما خبئه بجوار فراشه وعندما طالعته سالي حتى تراسمت معالم الدهشة والفرحة جنبا إلى جنب على وجهها قائلة
.. برافو ياسليم جميل جدا عملته کله لوحدك
هز سليم رأسه بفخر إذ مضى وقتا طويلا في رص المكعبات ليشكل بها قصرا شبيها بالذي يسكنه وضحكت سالي وهي تقترب منه قائلة بذهول
.. ده أنت حتى الشجر عملته
قال سليم بعفوية
.. دي شجرة بابا تیته سوسن قالتلي عليها
تهرب من رسمة سلمى التي تحمل ذكري جاسر لتصطدم بمجسم سليم الذي يحمل بصمته وستظل تدور في دوائر لا نهاية لها ولا بداية إلا بجاسر نفضت عن رأسها أفكارها السلبية وقالت
.. ياله غيروا هدومكوا عشان أنا عازما کوا على الغدا بره
قفز الصغيران بسعادة وابتسمت سالی ولكن سرعان ما غابت عنها بسمتها إذ قاطعها صوته بحزم قائلا
.. وأنا اللي جاي اتغدا معاكوا خلاص نروح نتغدی کلنا بره سوا
التفتت له شاحبة وهي تطالع ساعة الحائط بضيق لمحه جاسر بسهولة بالغة وقال بنبرة ذات مغزى وقد ضاقت عيناه في إنذار صريح أنه لن يقبل بالرفض
.. ياريت لو نتكلم خمسه في مكتبي عبال ما الولاد يغيروا.
وبإحدى مميزاته التي لا يختلف عليها إثنان وبشجاعة المواجهة التي لازالت تفتقر إليها باغتها بسؤال حاد المقاطع في اللحظة التي أصبحا بمفردهما في غرفة مكتبه
.. مين ده اللي كنت واقفة معاه أول امبارح
ظلت تنظر له صامتة لوهلة وهي ترقبه بأعين واسعة حتى قالت بضيق بالغ
.. وأنت بأي حق تسأل وبأي حق أصلا تتهجم عليه
تسارعت خطواته نحو الباب وأغلقه پعنف أفزعها وقال وهو يشير بإبهامه محذرا
.. حذاري يا سالي أنا لحد دلوقت متمالك أعصابي معاك
توترت أوصالها وقالت بعند
.. هتعمل إيه ياجاسر هتضربني أنا كمان
زعق بها
.. متستفزنيش يا سالي عشان مترجعيش ټندمي وردي على السؤال مين ده وإزاي توقفي تضحكي معاه في الشارع!
اتسعت عيناها بفرط الدهشة وفغر فمها للحظات وهي تطالع نسخته الغاضبة حتى قالت بهدوء جم لا تعلم كيف استحوذت عليه بل وأيضا بإصرار مطلق
.. معدتش من حقك أنك تدخل في أي شيء يخصني يا جاسر واقفة مع مين بضحك مع مين بخرج مع مين حتى خلاص معدتش من حقك زي ما أنت عايش حياتك أنا كمان عايشة حياتي
اقترب منها وبأنفاس مشټعلة كاللهيب قال
.. كل شيء يخصك من حقي يا سالي ولمصلحتك متعمليش اللي أنا مش راضي عنه عشان لحظة ما هترجعي هيكون حسابك عسير عن كل شيء خالفتيني فيه
وربما ظنت أنها لن تندهش من شذوذ أفكاره وتقازم تواضعه بعد ما حدث لهما ولكنها لم تتوقع أنه قد يصل به لمستوى أبعد! فضحكت برقة ولكنها لم تتمالكها كثيرا إذ اتسعت وتصاعدت نغمتها حتى قالت وهي تراقب أنظاره المستعرة بدهشته
.. أنا حقيقي مش فاهمة إزاي متوقع أني أرجعلك وأنت زي ما أنت متغيرتش لاء وبتهددني كمان !
فرد فورا
.. وعمري ماهتغير
هزت رأسها وهي توافقه الرأي
.. ده صحيح أنت زي ما أنت فعلا جاسر بشركاته بفلوسه بمراته الحامل بحياته اللي عایشها بالطول والعرض من غير ما يفكر في اللي بيدوس عليه
عشان يكمل هوا طريقه
واقتربت منه بتحدي أعظم وهي تلكزه بأصبعها فوق صدره
.. لكن أنا اللي اتغيرت ياجاسر أنا معدتش أقبل بأقل من الحياة اللي دلوقت عيشاها وتسارعت خطواتها للخلف في إشارة واضحة للإنصراف ونهاية الحديث بينهما وهي تقول
.. ومع الأسف أنت غير مرحب بيك في الغدا اللي أنا عازمة ولادي عليه
واقترب هو منها بخطوات أسرع
.. قصدك ولادنا اللي أنا بكرم أخلاق مني سامحلك تشوفيهم حتی بعد تصرفاتك
قالت