الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

فاذا هوى القلب بقلم منال سالم

انت في الصفحة 32 من 77 صفحات

موقع أيام نيوز


متحرقة فيها شوقا لمقابلة فرد جديد اكتشفت وجوده مؤخرا من عائلتها
أفاقت من جمودها المؤقت وعاودت النظر إلى الجزار بإشمئزاز ثم تركته وانصرفت دون حتى أن تشكره على تقديمه للعون
رمقها هو بنظرات مستخفة من تجاهلها له وتمتم بغيظ من بين أسنانه لاعنا إياها
هي هاتجيبه من برا يعني كلهم عيلة في قلب بعض
رجعت أسيف عند والدتها وهي ترسم ابتسامة مصطنعة على وجهها ثم استطردت حديثها مرددة بهدوء

خلاص يا ماما عرفت مكان البيت هو اللي هناك ده
حركت حنان مقعدها للأمام وتبعتها أسيف بخطوات متمهلة لكن روحها كانت في حالة حماسة رهيبة
بعد عدة لحظات كانت كلتاهما تقف أمام مدخل البناية
بالطبع لم يخلو المكان من هؤلاء الصغار الذين يتراشقون الكرة وهم يلعبون پعنف وصړاخ لعل أحدهم يحقق الفوز في مباراتهم الحيوية الهامة
ابتسمت لهم أسيف بود ثم استدارت بأنظارها في اتجاه المدخل
حدقت فيه بنظرات مطولة مدققة في تفاصيل المكان فكل شيء كان يشير إلى قدمه الطلاء الباهت الألوان المطفية الدرج الخشبي العتيق والكراكيب المتراصة على الجانبين
نعم تكاد تشم رائحة عبق الزمن وأن تطأ بقدمين المكان
اختلف إحساس حنان كليا عن ابنتها هي زارت تلك البناية من قبل منذ سنوات طويلة مضت
مرت الأيام وتكرر المشهد من جديد
فقد كانت جالسة على مقعدها المتحرك عند هذا المدخل وتركها زوجها رياض بمفردها هنا ليصعد إلى زوجة أبيه تلك القاسېة الجاحدة التي لا تعرف أي شفقة
انتاب قلبها الړعب حينما سمعت صراخهما المحتد وفزعت نظراتها وهي تراه مقبلا عليها حاسما أمره بعدم العودة إلى هنا مرة أخرى
ازدردت ريقها پخوف وتمنت في قرارة نفسها ألا يتكرر الأمر مجددا مع ابنتها فهي لا تزال
لتحدق في والدتها الشاردة وظنت أنها تفكر في طريقة للصعود للأعلى بمقعدها هذا والاثنتان بمفردهما وبالتالي لن تتحمل هي عبء دفعها
عضت على شفتها بحرج وتنهدت بعمق ثم مالت على أمها لتهمس لها
أنا هاطلع أسأل حد من الجيران عن بيتهم وأعرف هما ساكنين في أنهو دور وأنزلك يا ماما
هزت حنان رأسها إيجابا وهي تقول بحذر
طيب بس خلي بالك من نفسك 
حاضر
قالتها أسيف وهي تتجه نحو الدرابزون لتصعد بتريث عليه
تعلقت أنظار حنان بإبنتها وخفق قلبها بدقات متتالية
دعت الله في نفسها بتيسير الأمور عليها
وصلت هي بعد لحظات إلى الطابق الأول وسلطت أنظارها على أول باب وقعت عيناها عليه
ابتلعت ريقها بتوتر بادي عليها واستجمعت شجاعتها لتقرع الجرس
عاودت النظر للأسفل لتطمئن على والدتها القابعة عند المدخل
فتحت إحدى الجارات الباب وتفرست في أسيف بنظرات حادة مدققة وسألتها بجمود
ايوه عاوزة مين يا شابة
استدارت أسيف برأسها نحوها ورسمت ابتسامة مهذبة على شفتيها ساءلة إياها بحرج
أومال الست عواطف خورشيد ساكنة في أنهو دور
أجابتها الجارة بجدية وهي تشير بعينيها للأعلى
فوقينا بدورين الباب اللي زي ده 
ضغطت أسيف على شفتيها مع احتفاظها بإبتسامتها الرقيقة مرددة بإمتنان
شكرا 
نزلت مسرعة على الدرج لتعود إلى والدتها ثم وقفت قبالتها وهتفت بصوت شبه لاهث ومتحمس
خلاص عرفت البيت يا ماما أنا طالعة عندها وهاعرفها إنك تحت
مدت حنان يدها إلى ابنتها وأمسكت بكفها ثم رمقتها بنظرات جادة قبل أن تنطق محذرة
متتأخريش فوق انزلي على طول ماشي يا أسيف 
أومأت ابنتها برأسها مرددة بطاعة
حاضر يا ماما اطمني
أولتها ظهرها واتجهت للدرج لتصعد إلى عمتها والحماس الممزوج بالتلهف والفضول يقتادها للأعلى
ضمت حنان كفي يدها معا وضغطت عليهما بقلق واضح رغم تعابير وجهها الجامدة
هي تخشى ألا تصير المقابلة على ما يرام وتصدم ابنتها في عمتها الوحيدة
عاتبت نفسها على تركها بمفردها لتقوم بهذا الأمر دون وجودها لدعمها
أخذت تدعو الله في نفسها أن يمر اللقاء على الخير وتقابل بحفاوة وترحيب
أسرعت أسيف في خطواتها لتصل إلى الطابق المنشود
كانت متوترة بصورة بائنة ولما لا فتلك هي المرة الأولى التي سترى فيها عمتها الوحيدة
قبضت بأصابعها على الدرابزون وهي تكمل صعودها
شعرت أن حلقها قد جف من فرط التوتر أو الحماس لا تعرف أيهما تحديدا هو المتحكم بها الآن لكنها متشوقة لرؤيتها
وقفت أمام باب منزلها وتلاحقت أنفاسها بصورة سريعة
سحبت نفسا عميقا وحبسته لثانية داخل صدرها لتضبط انفعالاتها
تمتمت لنفسها بتشجيع
اهدي يا أسيف واضربي الجرس إن شاء الله خير 
وبالفعل مدت يدها لتقرع الجرس وانتظرت بترقب فتح الباب لها
كورت قبضتي يدها ورمشت بعينيها عدة مرات
لا جديد يحدث الوضع كما هو الصمت هو سيد الموقف
حدثت نفسها مبررة
يمكن ماسمعتش الجرس
قرعت الجرس مجددا وانتظرت بشغف أن تفتح عمتها الباب وتستقبلها
طال انتظارها أمامه
تملكها الإحباط سريعا وتشكلت علامات اليأس على محياها
خبا بريق عينيها وتهدل كتفيها بضيق
عللت لنفسها عدم الرد عليها
جايز جايز محدش موجود
زفرت بعمق واستدارت لتعود من حيث أتت ولكن بخطوات متخاذلة وبطيئة نسبيا وهي تتجه للدرج
في نفس التوقيت وصلت عواطف ومعها ابنتها نيرمين ورضيعتها إلى مدخل المنطقة الشعبية بعد أن فحصها الطبيب وأعطاها الدواء المناسب لحالتها
تهادت عواطف في خطواتها متمتمة بتعب
كويس إنها جت على أد كده إحمدي ربنا 
ردت عليها بتنهيدة مطولة
الحمدلله البت لسه بتسنن وزورها مقفول
أضافت عواطف قائلة بصوت هاديء
خدي من ده كتير شوية تسخن وشوية حركتها تتقل يعني من هنا لحد ما سنانها كلها تطلع 
ردت عليها نيرمين بجدية
ربنا يسهل أنا هاديها الدوا في مواعيده 
أكدت عليها عواطف أهمية ذلك الأمر محذرة
اه
لازم وربنا الشافي 
يا رب 
ثم أكملتا سيرهما نحو البناية القريبة
في نفس ذات الآن بقيت أنظار حنان المتوجسة معلقة بالدرج وشفتاها تتمتمان بكلمات خاڤتة للغاية ومبهمة
الفضول ېقتلها لمعرفة نتائج المقابلة الأولى
وفجأة التفتت برأسها للخلف على صوت صړاخ أحد الصغار بحدة
شوط يا عم مستني إيه
تجمدت عيناها على تلك الكرة التي قڈفها الأخر بكل ما أوتي من قوة فتحولت لقذيفة موجهة ارتطمت پعنف بألواح الخشب وكراكيب الأثاث المتواجدة على مقربة منها
اختل توازن تلك الأشياء بفعل الضړبة القوية وبدأت في التهاوي ولكن عليها
شخصت أبصارها بهلع كبير حينما رأت تلك الكومة الهائلة تتساقط عليها فرفعت كفيها أمام وجهها لتحميه وصدرت عنها عفويا صړخة هائلة ومخيفة
قفز قلب أسيف بړعب جلي في قدميها على إثر ذلك الصوت المألوف الذي تعرفه جيدا
تجمدت في مكانها لوهلة محاولة إستيعاب تلك الصدمة المباغتة
كما اتسعت حدقتيها بفزع وهي تستمع إلى صوت ارتطام متتالي ومدوي
صاحت لا إراديا بفزع
ماما
أفاقت من حالة الشلل المؤقتة التي أصابتها وهبطت مسرعة على الدرجة محاولة الوصول إلى والدتها
رأى الصغار ما حدث نتيجة لعبهم الطائش وصاحوا پخوف كبير بعد سقوط الألواح الخشبية والأثاث على تلك القعيدة محدثين فوضى بالمكان
تحول المدخل إلى حالة من الهرج والمرج وواصل الصغار صياحهم المذعور
تجمع بعض الجيران والمارة عند المدخل لتفقد الأمر
وصلت أسيف إلى مقدمة الدرج فرأت تلك الكومة الهائلة تغطي أمها
وضعت يديها على فمها لتكتم شهقة على وشك الخروج منها
وجحظت عيناها أكثر وهي تلمح جزء من مقعد أمها المتحرك أسفل الأخشاب
زاد خفقان قلبها وتلاحقت أنفاسها بصورة مخيفة ثم أخرجت صړخة هائلة من صدرها 
ماما ماما
ركضت نحوها محاولة إزاحة تلك الأثقال عنها لكنها فشلت بمفردها وبقيت عالقة في مكانها عاجزة عن الوصول إليها
وكأنها أصيب بحالة هيسترية فواصلت صړاخها الهلع والمرعب ليزداد على إثره تجمع الجيران وأهالي المنطقة
لمحت عواطف من على بعد تلك الحشود التي تقف على مقربة من بنايتهم
 

31  32  33 

انت في الصفحة 32 من 77 صفحات